responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 337
وَاللَّهُ تَعَالَى يَمْنَعُ النَّارَ عَنْ إِحْرَاقِهِمْ فَلِمَ لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي هَذِهِ الشَّجَرَةِ؟ إِذَا عرفت هذا السؤال والجواب فمعنى كَوْنِ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ هُوَ أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا هَذِهِ الْآيَةَ وَقَعَتْ تِلْكَ الشُّبْهَةُ فِي قُلُوبِهِمْ وَصَارَتْ تِلْكَ الشُّبْهَةُ سَبَبًا لِتَمَادِيهِمْ فِي الْكُفْرِ فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهَا فِتْنَةً لَهُمْ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: فِي التَّفْسِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ صَيْرُورَةَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فِي النَّارِ لِأَنَّهُمْ إِذَا كُلِّفُوا تَنَاوُلَهَا وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ ذَلِكَ فِتْنَةً فِي حَقِّهِمْ الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْفِتْنَةِ الِامْتِحَانَ وَالِاخْتِبَارَ، فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ بَعِيدٌ عَنِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ مُخَالِفٌ لِلْمَأْلُوفِ وَالْمَعْرُوفِ، فَإِذَا وَرَدَ عَلَى سَمْعِ الْمُؤْمِنِ فَوَّضَ عِلْمَهُ إِلَى اللَّهِ وَإِذَا وَرَدَ عَلَى الزِّنْدِيقِ تَوَسَّلَ بِهِ إِلَى الطَّعْنِ فِي الْقُرْآنِ وَالنُّبُوَّةِ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ وَصَفَهَا بِصِفَاتٍ الصِّفَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ قِيلَ مَنْبَتُهَا فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ وَأَغْصَانُهَا تَرْتَفِعُ إِلَى دَرَكَاتِهَا الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الطَّلْعُ لِلنَّخْلَةِ فَاسْتُعِيرَ لِمَا طَلَعَ مِنْ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ مِنْ حَمْلِهَا، إِمَّا اسْتِعَارَةً لَفْظِيَّةً أَوْ مَعْنَوِيَّةً، وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ سُمِّيَ (طَلْعًا) لِطُلُوعِهِ كُلَّ سَنَةٍ، وَلِذَلِكَ قِيلَ طَلْعُ النَّخْلِ لِأَوَّلِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرِهِ، وَأَمَّا تَشْبِيهُ هَذَا الطَّلْعِ بِرُءُوسِ الشَّيَاطِينِ فَفِيهِ سُؤَالٌ، لِأَنَّهُ قِيلَ إِنَّا مَا رَأَيْنَا رؤوس الشَّيَاطِينِ فَكَيْفَ يُمْكِنُ تَشْبِيهُ شَيْءٍ بِهَا؟ وَأَجَابُوا عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ النَّاسَ لَمَّا اعْتَقَدُوا فِي الْمَلَائِكَةِ كَمَالَ الْفَضْلِ في الصورة والسيرة واعتقدوا فِي الشَّيَاطِينِ نِهَايَةَ الْقُبْحِ وَالتَّشْوِيهِ فِي الصُّورَةِ وَالسِّيرَةِ، فَكَمَا حَسُنَ التَّشْبِيهُ بِالْمَلَكِ عِنْدَ إِرَادَةِ تَقْرِيرِ الْكَمَالِ وَالْفَضِيلَةِ فِي قَوْلِهِ: إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ [يُوسُفَ: 31] فَكَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَحْسُنَ التَّشْبِيهُ بِرُءُوسِ الشَّيَاطِينِ فِي الْقُبْحِ وَتَشْوِيهِ الْخِلْقَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ لَا بِالْمَحْسُوسِ بَلْ بِالْمُتَخَيَّلِ، كَأَنَّهُ قِيلَ إِنَّ أقبح الأشياء في الوهم والخيال هو رؤوس الشَّيَاطِينِ فَهَذِهِ الشَّجَرَةُ تُشْبِهُهَا فِي قُبْحِ النَّظَرِ وَتَشْوِيهِ الصُّورَةِ، وَالَّذِي يُؤَكِّدُ هَذَا أَنَّ الْعُقَلَاءَ إِذَا رَأَوْا شَيْئًا شَدِيدَ الِاضْطِرَابِ مُنْكَرَ الصُّورَةِ قَبِيحَ الْخِلْقَةِ، قَالُوا إِنَّهُ شَيْطَانٌ، وَإِذَا رَأَوْا شَيْئًا حَسَنَ الصُّورَةِ وَالسِّيرَةِ، قَالُوا إِنَّهُ مَلَكٌ، وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
أَتَقْتُلُنِي وَالْمَشْرَفِيُّ مُضَاجِعِي ... وَمَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّيَاطِينَ حيات لها رؤوس وَأَعْرَافٌ، وَهِيَ مِنْ أَقْبَحِ الْحَيَّاتِ، وَبِهَا يُضْرَبُ الْمَثَلُ فِي الْقُبْحِ، وَالْعَرَبُ إِذَا رَأَتْ مَنْظَرًا قَبِيحًا قَالَتْ كَأَنَّهُ شَيْطَانُ الْحَمَاطَةِ، وَالْحَمَاطَةُ شَجَرَةٌ معينة والقول الثالث: أن رؤوس الشَّيَاطِينِ، نَبْتٌ مَعْرُوفٌ قَبِيحُ الرَّأْسِ، وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ هُوَ الْجَوَابُ الْحَقُّ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ وَذَكَرَ صِفَتَهَا بَيَّنَ أَنَّ الكفار لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ وَاعْلَمْ أَنَّ إِقْدَامَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْأَكْلِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ أَكَلُوا مِنْهَا لِشِدَّةِ الْجُوعِ، فَإِنْ قِيلَ وَكَيْفَ يَأْكُلُونَهَا مَعَ نِهَايَةِ خُشُونَتِهَا وَنَتْنِهَا وَمَرَارَةِ/ طَعْمِهَا؟ قُلْنَا إِنَّ الواقع فِي الضَّرَرِ الْعَظِيمِ رُبَّمَا اسْتُرْوِحَ مِنْهُ إِلَى مَا يُقَارِبُهُ فِي الضَّرَرِ، فَإِذَا جَوَّعَهُمُ اللَّهُ الْجُوعَ الشَّدِيدَ فَزِعُوا فِي إِزَالَةِ ذَلِكَ الْجُوعِ إِلَى تَنَاوُلِ هَذَا الشَّيْءِ وَإِنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ الزَّبَانِيَةُ يُكْرِهُونَهُمْ عَلَى الْأَكْلِ مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ تَكْمِيلًا لعذابهم.
وعلم أَنَّهُمْ إِذَا شَبِعُوا فَحِينَئِذٍ يَشْتَدُّ عَطَشُهُمْ وَيَحْتَاجُونَ إِلَى الشَّرَابِ، فَعِنْدَ هَذَا وَصَفَ اللَّهُ شَرَابَهُمْ، فَقَالَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ [الصافات: 67] قَالَ الزَّجَّاجُ: الشَّوْبُ اسْمٌ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا خُلِطَ بِغَيْرِهِ،
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 337
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست