responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 123
فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ الثَّالِثُ: هُوَ أَنَّ لُقْمَانَ أَرَادَ إِرْشَادَ ابْنِهِ إِلَى السَّدَادِ فِي الْأَوْصَافِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْأَوْصَافِ الَّتِي هِيَ لِلْمَلَكِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى مَرْتَبَةً مِنْهُ، وَالْأَوْصَافِ الَّتِي لِلْحَيَوَانِ الَّذِي هُوَ أَدْنَى مَرْتَبَةً مِنْهُ. فَقَوْلُهُ: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَكَارِمِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْإِنْسَانِ فَإِنَّ الْمَلَكَ لَا يَأْمُرُ مَلَكًا آخَرَ بِشَيْءٍ وَلَا يَنْهَاهُ عَنْ شَيْءٍ.
وَقَوْلُهُ: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً الَّذِي هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى عَدَمِ التَّكَبُّرِ وَالتَّبَخْتُرِ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَكَارِمِ الَّتِي هِيَ صِفَةُ الْمَلَائِكَةِ فَإِنَّ عَدَمَ التَّكَبُّرِ وَالتَّبَخْتُرِ صِفَتُهُمْ. وَقَوْلُهُ: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إشارة إِلَى الْمَكَارِمِ الَّتِي هِيَ صِفَةُ الْحَيَوَانِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: لِمَ ذَكَرَ الْمَانِعَ مَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ وَلَمْ يُذْكَرِ الْمَانِعَ مِنْ سُرْعَةِ الْمَشْيِ، نَقُولُ أَمَّا عَلَى قَوْلِنَا إِنَّ الْمَشْيَ وَالصَّوْتَ كِلَاهُمَا مُوَصِّلَانِ إِلَى شَخْصٍ مَطْلُوبٍ إِنْ أَدْرَكَهُ بِالْمَشْيِ إِلَيْهِ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَيُوقِفُهُ بِالنِّدَاءِ، فَنَقُولُ رَفْعُ الصَّوْتِ يُؤْذِي السَّامِعَ وَيَقْرَعُ الصِّمَاخَ بِقُوَّةٍ، وَرُبَّمَا يَخْرُقُ الْغِشَاءَ الَّذِي دَاخِلَ الْأُذُنِ وَأَمَّا السُّرْعَةُ فِي الْمَشْيِ فَلَا تُؤْذِي أَوْ إِنْ كَانَتْ تُؤْذِي فَلَا تُؤْذِي غَيْرَ مَنْ فِي طَرِيقِهِ وَالصَّوْتُ يَبْلُغُ مَنْ عَلَى الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ، وَلِأَنَّ الْمَشْيَ يُؤْذِي آلَةَ الْمَشْيِ وَالصَّوْتَ يُؤْذِي آلَةَ السَّمْعِ وَآلَةُ السَّمْعِ عَلَى بَابِ الْقَلْبِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ يَنْتَقِلُ مِنَ السَّمْعِ إِلَى الْقَلْبِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَشْيُ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِنَا الْإِشَارَةُ بِالشَّيْءِ وَالصَّوْتِ إِلَى الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ فَلِأَنَّ الْقَوْلَ قَبِيحُهُ أَقْبَحُ مِنْ قَبِيحِ الْفِعْلِ وَحَسَنُهُ أَحْسَنُ لِأَنَّ اللِّسَانَ تُرْجُمَانُ الْقَلْبِ وَالِاعْتِبَارُ يُصَحِّحُ الدَّعْوَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: كَيْفَ يُفْهَمُ كَوْنُهُ أَنْكَرَ مَعَ أَنَّ مَسَّ الْمِنْشَارِ بِالْمِبْرَدِ وَحَتَّ النُّحَاسِ بِالْحَدِيدِ أَشَدُّ تَنْفِيرًا؟
نَقُولُ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ أَنْكَرَ أَصْوَاتِ الْحَيَوَانَاتِ صَوْتُ الْحَمِيرِ فَلَا يَرُدُّ مَا ذَكَرْتُمْ وَمَا ذَكَرْتُمْ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ لِمَصْلَحَةٍ وَعِمَارَةٍ فَلَا يُنْكَرُ، بِخِلَافِ صَوْتِ الْحَمِيرِ وَهَذَا وَهُوَ الْجَوَابُ الثَّانِي.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْكَرُ هُوَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ فَمِنْ أَيِّ بَابٍ هُوَ؟ نَقُولُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ أَطْوَعَ لَهُ مِنْ بَنَانِهِ، بِمَعْنَى أَشَدِّهَا طَاعَةً فَإِنَّ أَفْعَلَ لَا يَجِيءُ فِي مَفْعَلٍ وَلَا فِي مَفْعُولٍ وَلَا فِي بَابِ الْعُيُوبِ إِلَّا مَا شَذَّ، كَقَوْلِهِمْ أَطْوَعُ مِنْ كَذَا لِلتَّفْضِيلِ عَلَى الْمُطِيعِ، وَأَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ النِّحْيَيْنِ لِلتَّفْضِيلِ عَلَى الْمَشْغُولِ، وَأَحْمَقُ مِنْ فُلَانٍ مِنْ بَابِ الْعُيُوبِ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ فِي بَابِ أَفْعَلَ كَأَشْغَلَ فِي بَابِ مَفْعُولٍ فَيَكُونُ لِلتَّفْضِيلِ عَلَى الْمُنْكَرِ، أَوْ نَقُولُ هُوَ مِنْ بَابِ أَشْغَلَ مَأْخُوذًا مَنْ نَكِرَ الشَّيْءَ فَهُوَ مُنْكَرٌ، وَهَذَا أَنْكَرُ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا فَلَهُ مَعْنًى لَطِيفٌ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ حَيَوَانٍ قَدْ يُفْهَمُ مِنْ صَوْتِهِ بِأَنَّهُ يَصِيحُ مِنْ ثِقَلٍ أَوْ تَعَبٍ كَالْبَعِيرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَالْحِمَارُ لَوْ مَاتَ تَحْتَ الْحِمْلِ لَا يَصِيحُ وَلَوْ قُتِلَ لَا يَصِيحُ، وَفِي بَعْضِ أَوْقَاتِ عَدَمِ الْحَاجَةِ يَصِيحُ وَيَنْهَقُ فَصَوْتُهُ مَنْكُورٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مِنْ نَكِيرٍ كأجدر من جدير. ثم قال تعالى:

[سورة لقمان (31) : آية 20]
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (20)
لَمَّا اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ، وَبَيَّنَ بِحِكَايَةِ لُقْمَانَ أَنَّ/ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِالنُّبُوَّةِ بَلْ ذَلِكَ مُوَافِقٌ لِلْحِكْمَةِ، وَمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالصَّلَاةِ وَمَكَارِمِ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 123
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست