responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 573
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا مِنَ الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ قِيَامِ الْقِيَامَةِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَ مَنِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، أَنَّ الْأُولَى لِلتَّبْعِيضِ، وَالثَّانِيَةَ لِلتَّبْيِينِ كَقَوْلِهِ: مِنَ الْأَوْثانِ [الْحَجِّ:
30] .
أَمَّا قَوْلُهُ: فَهُمْ يُوزَعُونَ مَعْنَاهُ يُحْبَسُ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ حَتَّى يَجْتَمِعُوا فَيُكَبْكَبُوا فِي النَّارِ، وَهَذِهِ عِبَارَةٌ عَنْ كَثْرَةِ الْعَدَدِ وَتَبَاعُدِ أَطْرَافِهِ، كَمَا وُصِفَتْ جُنُودُ سُلَيْمَانَ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ: حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي فَهَذَا وَإِنِ احْتَمَلَ مُعْجِزَاتِ الرُّسُلِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، فَالْمُرَادُ كُلُّ الْآيَاتِ فَيَدْخُلُ فِيهِ سَائِرُ الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّه أَجْمَعَ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْهَا.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً فَالْوَاوُ لِلْحَالِ كَأَنَّهُ قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِهَا، بَادِيَ الرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ فِكْرٍ وَلَا نَظَرٍ يُؤَدِّي إِلَى إِحَاطَةِ الْعِلْمِ بكنهها.
أما قوله: أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَالْمُرَادُ لَمَّا لَمْ تَشْتَغِلُوا بِذَلِكَ الْعَمَلِ الْمُهِمِّ، فَأَيُّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعْمَلُونَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؟! كَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ عَمَلٍ سِوَاهُ فَكَأَنَّهُ لَيْسَ بِعَمَلٍ، ثم قال: وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ يُرِيدُ أَنَّ/ الْعَذَابَ الْمَوْعُودَ يَغْشَاهُمْ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِ اللَّه فَيَشْغَلُهُمْ عَنِ النُّطْقِ وَالِاعْتِذَارِ كَقَوْلِهِ: هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ [الْمُرْسَلَاتِ:
35] ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ أَنْ خَوَّفَهُمْ بِأَحْوَالِ الْقِيَامَةِ ذَكَرَ كَلَامًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى التَّوْحِيدِ وَعَلَى الْحَشْرِ وَعَلَى النُّبُوَّةِ مُبَالَغَةً فِي الْإِرْشَادِ إِلَى الْإِيمَانِ وَالْمَنْعِ مِنَ الْكُفْرِ فَقَالَ: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً أَمَّا وَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى التَّوْحِيدِ فَلَمَّا ظَهَرَ فِي الْعُقُولِ أَنَّ التَّقْلِيبَ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلْمَةِ، وَمِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى النُّورِ، لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِقُدْرَةٍ قَاهِرَةٍ عَالِيَةٍ. وَأَمَّا وَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى الْحَشْرِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَتْ قُدْرَتُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى الْقَلْبِ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلْمَةِ وَبِالْعَكْسِ، فَأَيُّ امْتِنَاعٍ فِي ثُبُوتِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقَلْبِ مِنَ الْحَيَاةِ إِلَى الْمَوْتِ مَرَّةً، وَمِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ أُخْرَى. وَأَمَّا وَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى النُّبُوَّةِ فَلِأَنَّهُ تَعَالَى يُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِمَنَافِعِ الْمُكَلَّفِينَ، وَفِي بِعْثَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ إِلَى الْخَلْقِ مَنَافِعٌ عَظِيمَةٌ، فَمَا الْمَانِعُ مِنْ بَعْثَتِهِمْ إِلَى الْخَلْقِ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ تِلْكَ الْمَنَافِعِ؟ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ كَافِيَةٌ فِي إِقَامَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى تَصْحِيحِ الأصول الثلاثة التي منها منشؤ كُفْرِهِمْ وَاسْتِحْقَاقِهِمُ الْعَذَابَ، ثُمَّ فِي الْآيَةِ سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: مَا السَّبَبُ فِي أَنْ جَعَلَ الْإِبْصَارَ لِلنَّهَارِ وَهُوَ لِأَهْلِهِ؟ جَوَابُهُ: تَنْبِيهًا عَلَى كَمَالِ هَذِهِ الصِّفَةِ فِيهِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: لَمَّا قال: جعل لكم الليل لتسكنوا فيه فَلِمَ لَمْ يَقُلْ وَالنَّهَارَ لِتُبْصِرُوا فِيهِ؟ جَوَابُهُ: لِأَنَّ السُّكُونَ فِي اللَّيْلِ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ اللَّيْلِ، وَأَمَّا الْإِبْصَارُ فِي النَّهَارِ فَلَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودُ بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَى جَلْبِ الْمَنَافِعِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ خَصَّ الْمُؤْمِنِينَ بِالذِّكْرِ، وَإِنْ كَانَتْ أَدِلَّةً لِلْكُلِّ مِنْ حَيْثُ اخْتُصُّوا بِالْقَبُولِ والانتفاع على ما تقدم في نظائره.

[سورة النمل (27) : آية 87]
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (87)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْعَلَامَةُ الثَّانِيَةُ لِقِيَامِ الْقِيَامَةِ.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 573
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست