responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 477
عَلَيْهِ صَارَ الْمُتَوَكِّلُ ضَائِعًا، أَمَّا هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِنَّهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ فَلَا يَضِيعُ الْمُتَوَكِّلُ عَلَيْهِ الْبَتَّةَ.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى نَفْسِ التَّسْبِيحِ بِالْقَوْلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى التَّنْزِيهِ للَّه تَعَالَى عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ فِي تَوْحِيدِهِ وَعَدْلِهِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ ثم قال: وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً وَهَذِهِ كَلِمَةٌ يُرَادُ بِهَا الْمُبَالَغَةُ يُقَالُ: كَفَى بِالْعِلْمِ جَمَالًا، وَكَفَى بِالْأَدَبِ مَالًا وَهُوَ بِمَعْنَى حَسْبُكَ، أَيْ لَا تَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ خَبِيرٌ بِأَحْوَالِهِمْ قَادِرٌ عَلَى مُكَافَأَتِهِمْ وَذَلِكَ وَعِيدٌ شَدِيدٌ، كَأَنَّهُ قَالَ إِنْ أَقْدَمْتُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ كَفَاكُمْ عِلْمُهُ فِي مُجَازَاتِكُمْ بما تستحقون من العقوبة.

[سورة الفرقان (25) : الآيات 59 الى 60]
الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (59) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (60)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً] اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا أَمَرَ الرَّسُولَ بِأَنْ يَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ وَصَفَ نَفْسَهُ بِأُمُورٍ: أَوَّلُهَا: بِأَنَّهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ وَهُوَ قَوْلُهُ:
وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ [الْفُرْقَانِ: 58] وَثَانِيهَا: أَنَّهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً [الْفُرْقَانِ: 58] وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فَقَوْلُهُ: الَّذِي خَلَقَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ لِأَنَّهُ سبحانه لما كان هو الخالق للسموات وَالْأَرَضِينَ وَلِكُلِّ مَا بَيْنَهُمَا ثَبَتَ أَنَّهُ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى جَمِيعِ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ، وَأَنَّ النِّعَمَ كُلَّهَا مِنْ جِهَتِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ التَّوَكُّلُ إِلَّا عَلَيْهِ. وَفِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: الْأَيَّامُ عِبَارَةٌ عَنْ حَرَكَاتِ الشَّمْسِ في السموات فقبل السموات لَا أَيَّامَ، فَكَيْفَ قَالَ اللَّه خَلَقَهَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ؟ الْجَوَابُ: يَعْنِي فِي مُدَّةٍ مِقْدَارُهَا هَذِهِ الْمُدَّةُ لَا يُقَالُ الشَّيْءُ الَّذِي يَتَقَدَّرُ بِمِقْدَارٍ مَحْدُودٍ وَيَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ وَالتَّجْزِئَةَ لَا يَكُونُ عَدَمًا مَحْضًا، بَلْ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودُ مُدَّةٍ قَبْلَ وُجُودِ الْعَالَمِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي قِدَمَ الزَّمَانِ، لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا/ مُعَارَضٌ بِنَفْسِ الزَّمَانِ، لِأَنَّ الْمُدَّةَ الْمُتَوَهَّمَةَ الْمُحْتَمَلَةَ لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ لَا تَحْتَمِلُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَالْمُدَّةُ الْمُتَوَهَّمَةُ الَّتِي تَحْتَمِلُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ لَا تَحْتَمِلُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُدَّةِ مُدَّةٌ أُخْرَى، فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْ هَذَا لَمْ يَلْزَمْ مَا قُلْتُمُوهُ وَعَلَى هَذَا نَقُولُ لَعَلَّ اللَّه سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْمُدَّةَ أَوَّلًا ثم السموات وَالْأَرْضَ فِيهَا بِمِقْدَارِ سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ وَكُلُّ يَوْمٍ أَلْفُ سَنَةٍ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بِأَمْرٍ مَعْلُومٍ لَا بِأَمْرٍ مَجْهُولٍ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: لِمَ قَدَّرَ الْخَلْقَ وَالْإِيجَادَ بِهَذَا التَّقْدِيرِ؟ الْجَوَابُ: أَمَّا عَلَى قَوْلِنَا فَالْمَشِيئَةُ وَالْقُدْرَةُ كَافِيَةٌ فِي التَّخْصِيصِ، قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ دَاعِي حِكْمَةٍ وَهُوَ أَنَّ تَخْصِيصَ خَلْقِ الْعَالَمِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ أَصْلَحُ لِلْمُكَلَّفِينَ وَهَذَا بَعِيدٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ حُصُولَ تِلْكَ الْحِكْمَةِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا لِذَاتِهِ أَوْ جَائِزًا فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا وَجَبَ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ فَيَكُونُ حَاصِلًا فِي كُلِّ الْأَزْمِنَةِ، فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِتَخْصِيصِ زَمَانٍ مُعَيَّنٍ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا افْتَقَرَ حُصُولُ تِلْكَ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى مُخَصِّصٍ آخَرَ وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ وَالثَّانِي: أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا لَا يَصِلُ إِلَيْهِ خَاطِرُ الْمُكَلَّفِ وَعَقْلُهُ، فَحُصُولُ ذَلِكَ التَّفَاوُتِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَشْعُورًا بِهِ كَيْفَ يَقْدَحُ فِي حصول المصالح.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 477
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست