responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 23  صفحه : 383
إِرْشَادِ الْأَنْبِيَاءِ، فَتَكُونُ مَنْزِلَةُ آيَاتِ الْقُرْآنِ عِنْدَ عَيْنِ الْعَقْلِ بِمَنْزِلَةِ نُورِ الشَّمْسِ عِنْدَ الْعَيْنِ الْبَاصِرَةِ إِذْ بِهِ يَتِمُّ الْإِبْصَارُ، فَبِالْحَرِيِّ أَنْ يُسَمَّى الْقُرْآنُ نُورًا كَمَا يُسَمَّى نُورُ الشَّمْسِ نُورًا، فَنُورُ الْقُرْآنِ يُشْبِهُ نُورَ الشَّمْسِ وَنُورُ الْعَقْلِ يُشْبِهُ نُورَ الْعَيْنِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا [التَّغَابُنِ: 8] وَقَوْلِهِ: قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ [النِّسَاءِ: 174] وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً [النِّسَاءِ: 174] وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَيَانَ الرَّسُولِ أَقْوَى مِنْ نُورِ الشَّمْسِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ نَفْسُهُ الْقُدْسِيَّةُ أَعْظَمَ فِي النُّورَانِيَّةِ مِنَ الشَّمْسِ، وَكَمَا أَنَّ الشَّمْسَ فِي عَالَمِ الْأَجْسَامِ تُفِيدُ النُّورَ لِغَيْرِهِ وَلَا تَسْتَفِيدُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَكَذَا نَفْسُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُفِيدُ الْأَنْوَارَ الْعَقْلِيَّةَ لِسَائِرِ الْأَنْفُسِ الْبَشَرِيَّةِ، وَلَا تَسْتَفِيدُ الْأَنْوَارَ الْعَقْلِيَّةَ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْأَنْفُسِ الْبَشَرِيَّةِ، فَلِذَلِكَ وَصَفَ اللَّه تَعَالَى الشَّمْسَ بِأَنَّهَا سِرَاجٌ حَيْثُ قَالَ:
وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً [الْفُرْقَانِ: 61] وَوَصَفَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ سِرَاجٌ مُنِيرٌ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ ثَبَتَ بِالشَّوَاهِدِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ أَنَّ الْأَنْوَارَ الْحَاصِلَةَ فِي أَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ مُقْتَبَسَةٌ مِنَ الْأَنْوَارِ الْحَاصِلَةِ فِي أَرْوَاحِ الْمَلَائِكَةِ قَالَ تَعَالَى: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ [النَّحْلِ: 2] وَقَالَ: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ [الشُّعَرَاءِ: 193، 194] وقال: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [النحل:
102] وقال تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى [النجم: 4، 5] وَالْوَحْيُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ فَإِذَا جَعَلْنَا أَرْوَاحَ الْأَنْبِيَاءِ أَعْظَمَ اسْتِنَارَةً مِنَ الشَّمْسِ فَأَرْوَاحُ الْمَلَائِكَةِ الَّتِي هِيَ كَالْمَعَادِنِ لِأَنْوَارِ عُقُولِ الْأَنْبِيَاءِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَكُونَ أَعْظَمَ مِنْ أَنْوَارِ أَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ، لِأَنَّ السَّبَبَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنَ الْمُسَبَّبِ. ثُمَّ نَقُولُ ثَبَتَ أَيْضًا بِالشَّوَاهِدِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ أَنَّ الْأَرْوَاحَ السَّمَاوِيَّةَ مُخْتَلِفَةٌ فَبَعْضُهَا مُسْتَفِيدَةٌ وَبَعْضُهَا/ مُفِيدَةٌ، قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التَّكْوِيرِ: 21] وَإِذَا كَانَ هُوَ مُطَاعُ الْمَلَائِكَةِ فَالْمُطِيعُونَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونُوا تَحْتَ أَمْرِهِ وَقَالَ: وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ [الصَّافَّاتِ: 164] وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالْمُفِيدُ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ نُورًا مِنَ الْمُسْتَفِيدِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَلِمَرَاتِبِ الْأَنْوَارِ فِي عَالَمِ الْأَرْوَاحِ مِثَالٌ وَهُوَ أَنَّ ضَوْءَ الشَّمْسِ إِذَا وَصَلَ إِلَى الْقَمَرِ ثُمَّ دَخَلَ فِي كُوَّةِ بَيْتٍ وَوَقَعَ عَلَى مِرْآةٍ مَنْصُوبَةٍ عَلَى حَائِطٍ ثُمَّ انْعَكَسَ مِنْهَا إِلَى حَائِطٍ آخَرَ نُصِبَ عَلَيْهِ مِرْآةٌ أُخْرَى ثُمَّ انْعَكَسَ مِنْهَا إِلَى طَسْتٍ مَمْلُوءٍ مِنَ الْمَاءِ مَوْضُوعٍ عَلَى الْأَرْضِ انْعَكَسَ مِنْهُ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ فَالنُّورُ الْأَعْظَمُ فِي الشَّمْسِ الَّتِي هِيَ الْمَعْدِنُ، وَثَانِيًا فِي الْقَمَرِ، وَثَالِثًا مَا وَصَلَ إِلَى الْمِرْآةِ الْأُولَى، وَرَابِعًا مَا وَصَلَ إِلَى الْمِرْآةِ الثَّانِيَةِ، وَخَامِسًا مَا وَصَلَ إِلَى الْمَاءِ، وَسَادِسًا مَا وَصَلَ إِلَى السَّقْفِ، وَكُلَّ مَا كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْمَنْبَعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَقْوَى مِمَّا هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ فَكَذَا الْأَنْوَارُ السَّمَاوِيَّةُ لَمَّا كَانَتْ مُرَتَّبَةً لَا جَرَمَ كَانَ نُورُ الْمُفِيدِ أَشَدَّ إِشْرَاقًا مِنْ نُورِ الْمُسْتَفِيدِ، ثُمَّ تِلْكَ الْأَنْوَارُ لَا تَزَالُ تَكُونُ مُتَرَقِّيَةً حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى النُّورِ الْأَعْظَمِ وَالرُّوحِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْأَرْوَاحِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّه الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا [النَّبَأِ: 38] ثُمَّ نَقُولُ لَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْأَنْوَارَ الْحِسِّيَّةَ إِنْ كَانَتْ سُفْلِيَّةً كَانَتْ كَأَنْوَارِ النِّيرَانِ أَوْ عُلْوِيَّةً كَانَتْ كَأَنْوَارِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ، وَكَذَا الْأَنْوَارُ الْعَقْلِيَّةُ سفلية كانت كالأرواح السفلية التي للأنبياء أَوْ عُلْوِيَّةً كَالْأَرْوَاحِ الْعُلْوِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْمَلَائِكَةُ، فَإِنَّهَا بِأَسْرِهَا مُمْكِنَةٌ لِذَوَاتِهَا وَالْمُمْكِنُ لِذَاتِهِ يَسْتَحِقُّ الْعَدَمَ مِنْ ذَاتِهِ وَالْوُجُودَ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْعَدَمُ هُوَ الظُّلْمَةُ الْحَاصِلَةُ وَالْوُجُودُ هُوَ النُّورُ، فَكُلُّ ما سوى اللَّه مظلم لذاته مستنير بإنارة اللَّه تَعَالَى وَكَذَا جَمِيعُ مَعَارِفِهَا بَعْدَ وُجُودِهَا حَاصِلٌ مِنْ وُجُودِ اللَّه تَعَالَى، فَالْحَقُّ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي أَظْهَرَهَا بِالْوُجُودِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فِي ظُلُمَاتِ الْعَدَمِ وَأَفَاضَ عَلَيْهَا أَنْوَارَ الْمَعَارِفِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فِي ظُلُمَاتِ الْجَهَالَةِ، فَلَا ظُهُورَ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا بِإِظْهَارِهِ، وَخَاصَّةُ النُّورِ إِعْطَاءُ الْإِظْهَارِ وَالتَّجَلِّي وَالِانْكِشَافِ، وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ النُّورَ الْمُطْلَقَ هُوَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَأَنَّ إِطْلَاقَ النُّورِ عَلَى
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 23  صفحه : 383
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست