responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 23  صفحه : 379
عَلَى اللَّه مُحَالٌ وَخَامِسُهَا: أَنَّ هَذِهِ الْأَنْوَارَ لَوْ كَانَتْ أَزَلِيَّةً لَكَانَتْ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُتَحَرِّكَةً أَوْ سَاكِنَةً، لَا جَائِزَ أَنْ تَكُونَ مُتَحَرِّكَةً لِأَنَّ الْحَرَكَةَ مَعْنَاهَا الِانْتِقَالُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ فَالْحَرَكَةُ مَسْبُوقَةٌ بِالْحُصُولِ فِي الْمَكَانِ الْأَوَّلِ. وَالْأَزَلِيُّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِالْغَيْرِ فَالْحَرَكَةُ الْأَزَلِيَّةُ مُحَالٌ. وَلَا جَائِزَ أَنْ تَكُونَ سَاكِنَةً لِأَنَّ السُّكُونَ لَوْ كَانَ أَزَلِيًّا لَكَانَ مُمْتَنِعَ الزَّوَالِ لَكِنَّ السُّكُونَ جَائِزُ الزَّوَالِ، لِأَنَّا نَرَى الْأَنْوَارَ تَنْتَقِلُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى حُدُوثِ الْأَنْوَارِ وَسَادِسُهَا: أَنَّ النُّورَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ جِسْمًا أَوْ كَيْفِيَّةً قَائِمَةً بِالْجِسْمِ، وَالْأَوَّلُ مُحَالٌ لِأَنَّا قَدْ نَعْقِلُ الْجِسْمَ جِسْمًا مَعَ الذُّهُولِ عَنْ كَوْنِهِ نَيِّرًا وَلِأَنَّ الْجِسْمَ قَدْ يَسْتَنِيرُ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُظْلِمًا فَثَبَتَ الثَّانِي لَكِنَّ الْكَيْفِيَّةَ الْقَائِمَةَ بِالْجِسْمِ مُحْتَاجَةٌ إِلَى الْجِسْمِ، وَالْمُحْتَاجُ إِلَى الْغَيْرِ لَا يَكُونُ إِلَهًا، وَبِمَجْمُوعِ هَذِهِ الدَّلَائِلِ يَبْطُلُ قَوْلُ الْمَانَوِيَّةِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْإِلَهَ سُبْحَانَهُ هُوَ النُّورُ الْأَعْظَمُ. وَأَمَّا الْمُجَسِّمَةُ الْمُعْتَرِفُونَ بِصِحَّةِ الْقُرْآنِ فَيُحْتَجُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشُّورَى: 11] وَلَوْ كَانَ نُورًا لَبَطَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَنْوَارَ كُلَّهَا مُتَمَاثِلَةٌ الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: مَثَلُ نُورِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ ذَاتُهُ نَفْسَ النُّورِ بَلِ النُّورُ مُضَافٌ إِلَيْهِ. وَكَذَا قَوْلُهُ:
يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي ذَاتِهِ نُورٌ. وقوله: مَثَلُ نُورِهِ يقتضي أن لا أَنْ لَا يَكُونَ هُوَ فِي ذَاتِهِ نُورًا وَبَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ، قُلْنَا نَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُكَ زَيْدٌ/ كَرَمٌ وَجُودٌ، ثُمَّ تَقُولُ يُنْعِشُ النَّاسَ بِكَرَمِهِ وَجُودِهِ، وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ لَا تَنَاقُضَ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ [الْأَنْعَامِ: 1] وَذَلِكَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَاهِيَّةَ النُّورِ مَجْعُولَةٌ للَّه تَعَالَى فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ نُورًا، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَالْعُلَمَاءُ ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا: أَحَدُهَا: أَنَّ النُّورَ سَبَبٌ لِلظُّهُورِ وَالْهِدَايَةُ لَمَّا شَارَكَتِ النُّورَ فِي هذا النُّورَ فِي هَذَا الْمَعْنَى صَحَّ إِطْلَاقُ اسْمِ النُّورِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ [الْبَقَرَةِ: 257] .
وَقَوْلِهِ: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً [الْأَنْعَامِ: 122] وَقَالَ: وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا [الشُّورَى: 52] فَقَوْلُهُ: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَيْ ذو نور السموات وَالْأَرْضِ وَالنُّورُ هُوَ الْهِدَايَةُ وَلَا تَحْصُلُ إِلَّا لأهل السموات، والحاصل أن المراد اللَّه هادي أهل السموات وَالْأَرْضِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْأَكْثَرِينَ رَضِيَ اللَّه عنهم وثانيها: المراد أنه مدبر السموات وَالْأَرْضِ بِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ وَحُجَّةٍ نَيِّرَةٍ فَوَصَفَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ كَمَا يُوصَفُ الرَّئِيسُ الْعَالِمُ بِأَنَّهُ نُورُ الْبَلَدِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ مُدَبِّرَهُمْ تَدْبِيرًا حَسَنًا فَهُوَ لَهُمْ كَالنُّورِ الَّذِي يُهْتَدَى بِهِ إِلَى مَسَالِكِ الطُّرُقِ، قَالَ جَرِيرٌ:
وَأَنْتَ لَنَا نُورٌ وَغَيْثٌ وَعِصْمَةٌ
وَهَذَا اخْتِيَارُ الْأَصَمِّ وَالزَّجَّاجِ وَثَالِثُهَا: المراد ناظم السموات وَالْأَرْضِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْأَحْسَنِ فَإِنَّهُ قَدْ يُعَبَّرُ بِالنُّورِ عَلَى النِّظَامِ، يُقَالُ مَا أَرَى لِهَذَا الأمر نورا ورابعها: معناه منور السموات وَالْأَرْضِ ثُمَّ ذَكَرُوا فِي هَذَا الْقَوْلِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُنَوِّرُ السَّمَاءِ بِالْمَلَائِكَةِ وَالْأَرْضِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالثَّانِي: مُنَوِّرُهَا بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ زَيَّنَ السَّمَاءَ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ وَزَيَّنَ الْأَرْضَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَالْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالْأَقْرَبُ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي آخِرِ الْآيَةِ: يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنُّورِ الْهِدَايَةُ إِلَى الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ الْغَزَالِيَّ رَحِمَهُ اللَّه صَنَّفَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكِتَابَ الْمُسَمَّى بِمِشْكَاةِ الْأَنْوَارِ، وَزَعَمَ أَنَّ اللَّه نُورٌ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ لَيْسَ النُّورُ إِلَّا هُوَ، وَأَنَا أَنْقُلُ مُحَصِّلَ مَا ذَكَرَهُ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 23  صفحه : 379
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست