responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 23  صفحه : 287
حَيْثُ كَانَ يَطْمَعُ فِي انْقِيَادِهِمْ لَهُ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَبْعَدِ الْأُمُورِ عِنْدَهُمْ فَنَسَبُوهُ إِلَى الْجُنُونِ لِذَلِكَ وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ إِيهَامًا لِعَوَامِّهِمْ لِكَيْ لَا يَنْقَادُوا لَهُ فَأَوْرَدُوا ذَلِكَ مَوْرِدَ الِاسْتِحْقَارِ لَهُ. ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ أَنْ عَدَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ، وَنَبَّهَ عَلَى فَسَادِهَا قَالَ: بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ مِنْ حَيْثُ تَمَسَّكُوا بِالتَّقْلِيدِ وَمِنْ حَيْثُ عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم لزالت مناصبهم ولاختلت رئاساتهم فَلِذَلِكَ كَرِهُوهُ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ: وَأَكْثَرُهُمْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَقَلَّهُمْ لَا يَكْرَهُونَ الْحَقَّ، قُلْنَا
كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَتْرُكُ الْإِيمَانَ أَنَفَةً مِنْ تَوْبِيخِ قَوْمِهِ وَأَنْ/ يَقُولُوا تَرَكَ دِينَ آبَائِهِ لَا كَرَاهَةً لِلْحَقِّ كَمَا حُكِيَ عَنْ أَبِي طَالِبٍ
ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْحَقَّ لَا يَتَّبِعُ الْهَوَى، بَلِ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَطْرَحَ الْهَوَى وَيَتَّبِعَ الْحَقَّ فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يُؤَدِّي إِلَى الْفَسَادِ الْعَظِيمِ فَقَالَ: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَفِي تَفْسِيرِهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْحَقَّ فِي اتِّخَاذِ آلِهَةٍ مَعَ اللَّه تَعَالَى، لَكِنْ لَوْ صح ذلك لوقع الفساد في السموات وَالْأَرْضِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي دَلِيلِ التَّمَانُعِ فِي قَوْلُهُ: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الْأَنْبِيَاءِ: 22] وَالثَّانِي: أَنَّ أَهْوَاءَهُمْ فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَتَكْذِيبِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمَا مَنْشَأُ الْمَفْسَدَةِ، وَالْحَقُّ هُوَ الْإِسْلَامُ. فَلَوِ اتَّبَعَ الْإِسْلَامُ قَوْلَهُمْ لَعَلِمَ اللَّه حُصُولَ الْمَفَاسِدِ عِنْدَ بَقَاءِ هَذَا الْعَالَمِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَخْرِيبَ الْعَالَمِ وَإِفْنَاءَهُ وَالثَّالِثُ: أَنَّ آرَاءَهُمْ كَانَتْ مُتَنَاقِضَةً فَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَوَقَعَ التَّنَاقُضُ وَلَاخْتَلَّ نِظَامُ الْعَالَمِ عَنِ الْقَفَّالِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَقِيلَ إِنَّهُ الْقُرْآنُ وَالْأَدِلَّةُ وَقِيلَ بَلْ شَرَفُهُمْ وَفَخْرُهُمْ بِالرَّسُولِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مُتَقَارِبٌ لِأَنَّ فِي مَجِيءِ الرَّسُولِ بَيَانَ الْأَدِلَّةِ وَفِي مَجِيءِ الْأَدِلَّةِ بَيَانُ الرَّسُولِ فَأَحَدُهُمَا مَقْرُونٌ بِالْآخَرِ، وَقِيلَ الذِّكْرُ هُوَ الْوَعْظُ وَالتَّحْذِيرُ، وَقِيلَ هُوَ الَّذِي كَانُوا يَتَمَنَّوْنَهُ وَيَقُولُونَ: لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ [الصَّافَّاتِ: 168، 169] وَقُرِئَ بِذِكْرَاهُمْ. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَطْمَعُ فِيهِمْ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلنُّفْرَةِ فَقَالَ: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَقُرِئَ خَرَاجًا، قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ الْخَرْجُ مَا تَبَرَّعْتَ بِهِ وَالْخَرَاجُ مَا لَزِمَكَ أَدَاؤُهُ وَالوجه أَنَّ الْخَرْجَ أَخَصُّ مِنَ الْخَرَاجِ كَقَوْلِكَ خَرَاجُ الْقَرْيَةِ وَخَرْجُ الْكُرْدَةِ زِيَادَةُ اللَّفْظِ لِزِيَادَةِ الْمَعْنَى وَلِذَلِكَ حَسُنَتْ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ يَعْنِي أَمْ تَسْأَلُهُمْ عَلَى هِدَايَتِهِمْ قَلِيلًا مِنْ عَطَاءِ الْخَلْقِ فَالْكَثِيرُ مِنْ عَطَاءِ الْخَلْقِ خَيْرٌ. فَنَبَّهَ سُبْحَانَهُ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ التُّهْمَةَ بَعِيدَةٌ عَنْهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفِرُوا عَنْ قَبُولِ قَوْلِهِ لِأَجْلِهَا. فَنَبَّهَ سُبْحَانَهُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْذُورِينَ الْبَتَّةَ وَأَنَّهُمْ مَحْجُوجُونَ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، قَالَ الْجُبَّائِيُّ دَلَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ عَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْعِبَادِ لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِ نِعَمِهِ وَرِزْقِهِ وَلَا يُسَاوِيهِ فِي الْإِفْضَالِ عَلَى عِبَادِهِ وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْعِبَادَ قَدْ يَرْزُقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا جَازَ أن يقول: وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.

[سورة المؤمنون (23) : الآيات 73 الى 75]
وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ (74) وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75)
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا زَيَّفَ طَرِيقَةَ الْقَوْمِ أَتْبَعَهُ بِبَيَانِ صِحَّةِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ فَهُوَ فِي بَابِ الِاسْتِقَامَةِ أَبْلَغُ مِنَ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 23  صفحه : 287
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست