responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 23  صفحه : 286
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا بَيَّنَ فِيمَا قَبْلُ أَنَّهُ لَا يَنْصُرُ أُولَئِكَ الْكُفَّارَ أَتْبَعَهُ بِعِلَّةِ ذَلِكَ وَهِيَ أَنَّهُ مَتَى تُلِيَتْ آيَاتُ اللَّه عَلَيْهِمْ أَتَوْا بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ يَنْكِصُونَ وَهَذَا مَثَلٌ يُضْرَبُ فِيمَنْ تَبَاعَدَ عَنِ الْحَقِّ كُلَّ التَّبَاعُدِ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ أَيْ تَنْفِرُونَ عَنْ تِلْكَ الْآيَاتِ وَعَمَّنْ يَتْلُوهَا كَمَا يَذْهَبُ النَّاكِصُ عَلَى عَقِبَيْهِ بِالرُّجُوعِ إِلَى وَرَائِهِ وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ وَالْهَاءُ/ فِي (بِهِ) إِلَى مَاذَا تَعُودُ؟ فِيهِ وُجُوهٌ: أَوَّلُهَا: إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ أَوِ الْحَرَمِ كَانُوا يَقُولُونَ لَا يَظْهَرُ عَلَيْنَا أَحَدٌ لِأَنَّا أَهْلُ الْحَرَمِ وَالَّذِي يُسَوِّغُ هَذَا الْإِضْمَارَ شُهْرَتُهُمْ بِالِاسْتِكْبَارِ بِالْبَيْتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَفْخَرَةٌ إِلَّا أَنَّهُمْ وُلَاتُهُ وَالْقَائِمُونَ بِهِ وَثَانِيهَا: الْمُرَادُ مُسْتَكْبِرِينَ بِهَذَا التَّرَاجُعِ وَالتَّبَاعُدِ وَثَالِثُهَا: أن تتعلق الباء بسامرا أَيْ يَسْمُرُونَ بِذِكْرِ الْقُرْآنِ وَبِالطَّعْنِ فِيهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَمْرُ الثَّالِثُ الَّذِي يَأْتُونَ بِهِ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِمْ، وَكَانُوا يَجْتَمِعُونَ حَوْلَ الْبَيْتِ بِاللَّيْلِ يَسْمُرُونَ وَكَانَتْ عَامَّةُ سَمَرِهِمْ ذِكْرَ الْقُرْآنِ وَتَسْمِيَتَهُ سِحْرًا وَشِعْرًا وَسَبَّ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَهْجُرُونَ، وَالسَّامِرُ نَحْوُ الْحَاضِرِ في الإطلاق على الجمع وقرئ سمرا وسامرا يَهْجُرُونَ مِنْ أَهْجَرَ فِي مَنْطِقِهِ إِذَا أَفْحَشَ وَالْهَجْرُ بِالْفَتْحِ الْهَذَيَانُ وَالْهُجْرُ بِالضَّمِّ الْفُحْشُ أَوْ مِنْ هَجَّرَ الَّذِي هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي هَجَرَ إِذَا هَذَى. ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا وَصَفَ حَالَهُمْ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِأَنْ بَيَّنَ أَنَّ إِقْدَامَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ: أَحَدُهَا: أَنْ لَا يَتَأَمَّلُوا فِي دَلِيلِ ثُبُوتِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ فَبَيَّنَ أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي هُوَ الْقُرْآنُ كَانَ مَعْرُوفًا لَهُمْ وَقَدْ مُكِّنُوا مِنَ التَّأَمُّلِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ كَانَ مُبَايِنًا لِكَلَامِ الْعَرَبِ فِي الْفَصَاحَةِ، وَمُبَرَّأً عَنِ التَّنَاقُضِ فِي طُولِ عُمْرِهِ، وَمِنْ حَيْثُ يُنَبِّهُ عَلَى مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ مَعْرِفَةِ الصَّانِعِ وَمَعْرِفَةِ الْوَحْدَانِيَّةِ فَلِمَ لَا يَتَدَبَّرُونَ فِيهِ لِيَتْرُكُوا الْبَاطِلَ وَيَرْجِعُوا إِلَى الْحَقِّ وَثَانِيهَا: أَنْ يَعْتَقِدُوا أَنَّ مَجِيءَ الرُّسُلِ أَمْرٌ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: أَمْ جاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ عَرَفُوا بِالتَّوَاتُرِ أَنَّ الرُّسُلَ كَانَتْ تَتَوَاتَرُ عَلَى الْأُمَمِ وَتَظْهَرُ الْمُعْجِزَاتُ عَلَيْهَا وَكَانَتِ الْأُمَمُ بَيْنَ مُصَدِّقٍ نَاجٍ، وَبَيْنَ مُكَذِّبٍ هَالِكٍ بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ أَفَمَا دَعَاهُمْ ذَلِكَ إِلَى تَصْدِيقِ الرَّسُولِ وَثَالِثُهَا: أَنْ لَا يَكُونُوا عَالِمِينَ بِدِيَانَتِهِ وَحُسْنِ خِصَالِهِ قَبْلَ ادِّعَائِهِ لِلنُّبُوَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ نَبَّهَ سُبْحَانَهُ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ عَرَفُوا مِنْهُ قَبْلَ ادِّعَائِهِ الرِّسَالَةَ كَوْنَهُ فِي نِهَايَةِ الْأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ وَغَايَةِ الْفِرَارِ مِنَ الْكَذِبِ وَالْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ فَكَيْفَ كَذَّبُوهُ بَعْدَ أَنِ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ بِالْأَمِينِ وَرَابِعُهَا: أَنْ يَعْتَقِدُوا فِيهِ الْجُنُونَ فَيَقُولُونَ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ادِّعَائِهِ الرِّسَالَةَ جُنُونُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ وَهَذَا أَيْضًا ظَاهِرُ الْفَسَادِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ أَعْقَلُ النَّاسِ، وَالْمَجْنُونُ كَيْفَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ مَا أَتَى بِهِ مِنَ الدَّلَائِلِ الْقَاطِعَةِ وَالشَّرَائِعِ الْكَامِلَةِ، وَلَقَدْ كَانَ مِنَ الْمُبْغِضِينَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ سَمَّاهُ بِذَلِكَ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ نَسَبُوهُ إِلَى ذَلِكَ مِنْ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 23  صفحه : 286
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست