responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 23  صفحه : 270
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَكَرَ أَنَّ فِيهَا عِبْرَةً مُجْمَلًا ثُمَّ أَرْدَفَهُ بِالتَّفْصِيلِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ:
نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها وَالْمُرَادُ مِنْهُ جَمِيعُ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ بِأَلْبَانِهَا، وَوَجْهُ الِاعْتِبَارِ فِيهِ أَنَّهَا تَجْتَمِعُ فِي الضُّرُوعِ وَتَتَخَلَّصُ مِنْ بَيْنِ الْفَرْثِ وَالدَّمِ بِإِذْنِ اللَّه تَعَالَى، فَتَسْتَحِيلُ إِلَى طَهَارَةٍ وَإِلَى لَوْنٍ وَطَعْمٍ مُوَافِقٍ لِلشَّهْوَةِ وَتَصِيرُ غِذَاءً، فَمَنِ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى قُدْرَةِ اللَّه وَحِكْمَتِهِ. كَانَ ذَلِكَ مَعْدُودًا فِي النِّعَمِ الدِّينِيَّةِ وَمَنِ انْتَفَعَ بِهِ فَهُوَ فِي نِعْمَةِ الدُّنْيَا، وَأَيْضًا فَهَذِهِ الْأَلْبَانُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا إِلَى ضُرُوعِهَا تَجِدُهَا شَرَابًا طَيِّبًا، وَإِذَا ذَبَحْتَهَا لَمْ تَجِدْ لَهَا أَثَرًا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّه تَعَالَى. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وَقُرِئَ تَسْقِيكُمْ بِتَاءٍ مَفْتُوحَةٍ، أَيْ تَسْقِيكُمِ الْأَنْعَامُ وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ: وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وذلك بيعها وَالِانْتِفَاعِ بِأَثْمَانِهَا وَمَا يَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ وَثَالِثُهَا: قَوْلُهُ:
وَمِنْها تَأْكُلُونَ يَعْنِي كَمَا تَنْتَفِعُونَ بِهَا وَهِيَ حَيَّةٌ تَنْتَفِعُونَ بِهَا بَعْدَ الذَّبْحِ أَيْضًا بالأكل ورابعها: قوله: عَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ
لِأَنَّ وَجْهَ الِانْتِفَاعِ بِالْإِبِلِ فِي الْمَحْمُولَاتِ عَلَى الْبَرِّ بِمَنْزِلَةِ الِانْتِفَاعِ بِالْفُلْكِ فِي الْبَحْرِ، وَلِذَلِكَ جَمَعَ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ فِي إِنْعَامِهِ لِكَيْ يُشْكَرَ عَلَى ذَلِكَ وَيُسْتَدَلَّ بِهِ،

[سورة المؤمنون (23) : الآيات 23 الى 25]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25)
وَاعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ دَلَائِلَ التَّوْحِيدِ أَرْدَفَهَا بِالْقَصَصِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فِي سَائِرِ السُّوَرِ وَهِيَ هَاهُنَا.

الْقِصَّةُ الْأُولَى قِصَّةُ نوح عليه السلام
قَالَ قَوْمٌ: إِنَّ نُوحًا كَانَ اسْمُهُ يَشْكُرُ، ثُمَّ سُمِّيَ نُوحًا لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: لِكَثْرَةِ مَا نَاحَ عَلَى نَفْسِهِ حِينَ دَعَا عَلَى قَوْمِهِ بِالْهَلَاكِ، فَأَهْلَكَهُمْ بِالطُّوفَانِ فَنَدِمَ عَلَى ذَلِكَ وَثَانِيهَا: لِمُرَاجَعَةِ رَبِّهِ فِي شَأْنِ ابْنِهِ وَثَالِثُهَا:
أَنَّهُ مَرَّ بِكَلْبٍ مَجْذُومٍ، فَقَالَ لَهُ اخْسَأْ يَا قَبِيحُ، فَعُوتِبَ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ اللَّه لَهُ: أَعِبْتَنِي إِذْ خَلَقْتُهُ، أَمْ عِبْتَ الْكَلْبَ.
وَهَذِهِ الْوُجُوهُ مُشْكِلَةٌ لِمَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَعْلَامَ لَا تُفِيدُ صِفَةً فِي الْمُسَمَّى.
أَمَّا قَوْلُهُ: اعْبُدُوا اللَّهَ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَرْسَلَهُ بِالدُّعَاءِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّه تَعَالَى وَحْدَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا وَقَدْ دَعَاهُمْ إِلَى مَعْرِفَتِهِ أَوَّلًا، لِأَنَّ عِبَادَةَ مَنْ لَا يَكُونُ مَعْلُومًا غَيْرُ جَائِزَةٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ وَيَجِبُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ فَالْمُرَادُ أَنَّ عِبَادَةَ غَيْرِ اللَّه لَا تَجُوزُ إِذْ لَا إِلَهَ سِوَاهُ. وَمِنْ حَقِّ الْعِبَادَةِ أَنْ تُحْسِنَ لِمَنْ أَنْعَمَ بِالْخَلْقِ وَالْإِحْيَاءِ وَمَا بَعْدَهُمَا، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ إِلَّا مِنْهُ تَعَالَى فَكَيْفَ يَعْبُدُ مَا لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ؟
وَقُرِئَ غَيْرُهُ بِالرَّفْعِ عَلَى الْمَحَلِّ وَبِالْجَرِّ عَلَى اللَّفْظِ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَنْفَعْ فِيهِمْ هَذَا الدُّعَاءُ وَاسْتَمَرُّوا عَلَى عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّه تَعَالَى حَذَّرَهُمْ بِقَوْلِهِ: أَفَلا تَتَّقُونَ لِأَنَّ ذَلِكَ زَجْرٌ وَوَعِيدٌ بِاتِّقَاءِ الْعُقُوبَةِ لِيَنْصَرِفُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ. ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ حَكَى عَنْهُمْ شُبَهَهُمْ فِي إِنْكَارِ نُبُوَّةِ نُوحٍ عَلَيْهِ السلام.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 23  صفحه : 270
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست