responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 520
شَيْخَيْنِ فَانِيَيْنِ أَقْرَبُ إِلَى مَنَاهِجِ الْعَادَاتِ مِنْ تَخْلِيقِ الْوَلَدِ لَا مِنَ الْأَبِ الْبَتَّةَ وَأَحْسَنُ الطُّرُقِ فِي التَّعْلِيمِ وَالتَّفْهِيمِ الْأَخْذُ مِنَ الْأَقْرَبِ فالأقرب مترقيا إلى الأصعب فالأصعب.

[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 17]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (17)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إِذْ بَدَلٌ مِنْ مَرْيَمَ بَدَلَ اشْتِمَالٍ لِأَنَّ الْأَحْيَانَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَا فِيهَا وَفِيهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِذِكْرِ مَرْيَمَ ذِكْرُ وَقْتِ هَذَا الْوُقُوعِ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ الْعَجِيبَةِ فِيهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: النَّبْذُ أَصْلُهُ الطَّرْحُ وَالْإِلْقَاءُ وَالِانْتِبَاذُ افْتِعَالٌ مِنْهُ وَمِنْهُ: فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ [آلِ عِمْرَانَ: 187] وَانْتَبَذَتْ تَنَحَّتْ يُقَالُ جَلَسَ نُبْذَةً مِنَ النَّاسِ وَنَبْذَةً بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا أَيْ نَاحِيَةً وَهَذَا إِذَا جَلَسَ قَرِيبًا مِنْكَ حَتَّى لَوْ نَبَذْتَ إِلَيْهِ شَيْئًا وَصَلَ إِلَيْهِ وَنَبَذْتُ الشَّيْءَ رَمَيْتُهُ وَمِنْهُ النَّبِيذُ لِأَنَّهُ يُطْرَحُ فِي الْإِنَاءِ/ وَأَصْلُهُ مَنْبُوذٌ فَصُرِفَ إِلَى فَعِيلٍ وَمِنْهُ قِيلَ لِلَّقِيطِ مَنْبُوذٌ لِأَنَّهُ يُرْمَى بِهِ وَمِنْهُ النَّهْيُ عَنِ الْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: إِذَا نَبَذْتُ إِلَيْكَ هَذَا الثَّوْبَ أَوِ الحصاة فقد وجب البيع إذا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا
مَعْنَاهُ تَبَاعَدَتْ وَانْفَرَدَتْ عَلَى سُرْعَةٍ إِلَى مَكَانٍ يَلِي نَاحِيَةَ الشَّرْقِ ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهَا مَعَ ذَلِكَ اتَّخَذَتْ مِنْ دُونِ أَهْلِهَا حِجَابًا مَسْتُورًا وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ تَقْتَصِرْ عَلَى أَنِ انْفَرَدَتْ إِلَى مَوْضِعٍ بَلْ جَعَلَتْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ حَائِلًا مِنْ حَائِطٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا جَعَلَتْ بَيْنَ نَفْسِهَا وَبَيْنَهُمْ سِتْرًا وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي أَظْهَرُ مِنَ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنَ احْتِجَابِهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَلَيْسَ مَذْكُورًا وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهِ عَلَى وُجُوهٍ. الْأَوَّلُ: أَنَّهَا لَمَّا رَأَتِ الْحَيْضَ تَبَاعَدَتْ عَنْ مَكَانِهَا الْمُعْتَادِ لِلْعِبَادَةِ لِكَيْ تَنْتَظِرَ الطُّهْرَ فَتَغْتَسِلَ وَتَعُودَ فَلَمَّا طَهُرَتْ جَاءَهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَالثَّانِي: أَنَّهَا طَلَبَتِ الْخَلْوَةَ لِئَلَّا تَشْتَغِلَ عَنِ الْعِبَادَةِ. وَالثَّالِثُ: قَعَدَتْ فِي مَشْرَقَةٍ لِلِاغْتِسَالِ مِنَ الْحَيْضِ مُحْتَجِبَةً بِشَيْءٍ يَسْتُرُهَا. وَالرَّابِعُ: أَنَّهَا كَانَ لَهَا فِي مَنْزِلِ زَوْجِ أُخْتِهَا زَكَرِيَّاءَ مِحْرَابٌ عَلَى حِدَةٍ تَسْكُنُهُ وَكَانَ زَكَرِيَّا إِذَا خَرَجَ أَغْلَقَ عَلَيْهَا فَتَمَنَّتْ [عَلَى] اللَّهِ [أَنْ] تَجِدَ خَلْوَةً فِي الْجَبَلِ لِتُفَلِّيَ رَأْسَهَا فَانْفَرَجَ السَّقْفُ لَهَا فَخَرَجَتْ إلى المفازة فجلست في المشرفة وَرَاءَ الْجَبَلِ فَأَتَاهَا الْمَلَكُ. وَخَامِسُهَا: عَطِشَتْ فَخَرَجَتْ إلى المفارة لِتَسْتَقِيَ وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْوُجُوهِ مُحْتَمَلٌ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ وَاحِدٍ مِنْهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْمَكَانُ الشَّرْقِيُّ هُوَ الَّذِي يَلِي شَرْقِيَّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ شَرْقِيَّ دَارِهَا وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنِّي لَأَعْلَمُ خَلْقِ اللَّهِ لِأَيِّ شَيْءٍ اتَّخَذَتِ النَّصَارَى الْمَشْرِقَ قِبْلَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: مَكاناً شَرْقِيًّا
فَاتَّخَذُوا مِيلَادَ عِيسَى قِبْلَةً.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّهَا لَمَّا جَلَسَتْ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهَا الرُّوحَ وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذَا الرُّوحِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: إِنَّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ إِنَّهُ الرُّوحُ الَّذِي تَصَوَّرَ فِي بَطْنِهَا بَشَرًا وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُسَمَّى رُوحًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ [الشُّعَرَاءِ: 193، 194] وَسُمِّيَ رُوحًا لِأَنَّهُ رُوحَانِيٌّ وَقِيلَ خُلِقَ مِنَ الرُّوحِ وَقِيلَ لِأَنَّ الدِّينَ يَحْيَا بِهِ أَوْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِرُوحِهِ عَلَى الْمَجَازِ مَحَبَّةً لَهُ وَتَقْرِيبًا كَمَا تَقُولُ لِحَبِيبِكَ رُوحِي وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ رَوْحَنَا بِالْفَتْحِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِمَا فِيهِ رَوْحُ الْعِبَادِ وَإِصَابَةُ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 520
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست