responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 517
يَصْلُحُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى النُّبُوَّةِ إِلَّا هَذِهِ/ اللَّفْظَةَ فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَيْهَا. الثَّانِي: أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ مَا يَصْلُحُ لِأَنْ يُحْكَمَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلِغَيْرِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالنُّبُوَّةِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُعْقَلُ حُصُولُ الْعَقْلِ وَالْفِطْنَةِ وَالنُّبُوَّةِ حَالَ الصِّبَا؟ قُلْنَا: هَذَا السَّائِلُ، إِمَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ خَرْقِ الْعَادَةِ أَوْ لَا يَمْنَعَ مِنْهُ، فَإِنْ مَنَعَ مِنْهُ فَقَدْ سَدَّ بَابَ النُّبُوَّاتِ لِأَنَّ بِنَاءَ الْأَمْرِ فِيهَا عَلَى الْمُعْجِزَاتِ وَلَا مَعْنَى لَهَا إِلَّا خَرْقُ الْعَادَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ فَقَدْ زَالَ هَذَا الِاسْتِبْعَادُ فَإِنَّهُ لَيْسَ اسْتِبْعَادُ صَيْرُورَةِ الصَّبِيِّ عَاقِلًا أَشَدَّ مِنَ اسْتِبْعَادِ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ وَانْفِلَاقِ الْبَحْرِ. الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا اعْلَمْ أَنَّ الْحَنَانَ أَصْلُهُ مِنَ الْحَنِينِ وَهُوَ الِارْتِيَاحُ وَالْجَزَعُ لِلْفِرَاقِ كَمَا يُقَالُ: حَنِينُ النَّاقَةِ وَهُوَ صَوْتُهَا إِذَا اشْتَاقَتْ إِلَى وَلَدِهَا ذَكَرَ الخليل ذلك
في الْحَدِيثِ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُصَلِّي إِلَى جذع من الْمَسْجِدِ فَلَمَّا اتُّخِذَ لَهُ الْمِنْبَرُ وَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ حَنَّتْ تِلْكَ الْخَشَبَةُ حَتَّى سُمِعَ حَنِينُهَا» .
فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ ثُمَّ قِيلَ: تَحَنَّنَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ إِذَا تَعَطَّفَ عَلَيْهِ وَرَحِمَهُ، وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وَصْفِ اللَّهِ بِالْحَنَّانِ فَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ، وجعله بمعنى الرؤوف الرَّحِيمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاهُ لِمَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ أَصْلُ الْكَلِمَةِ قَالُوا: لَمْ يَصِحَّ الْخَبَرُ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْحَنَانُ هُنَا فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يُجْعَلَ صِفَةً لِلَّهِ. وَثَانِيهِمَا: أَنْ يُجْعَلَ صِفَةً لِيَحْيَى أَمَّا إِذَا جَعَلْنَاهُ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى فَنَقُولُ: التَّقْدِيرُ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ حَنَانًا أَيْ رحمة منا، ثم هاهنا احْتِمَالَاتٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْحَنَانُ مِنَ اللَّهِ لِيَحْيَى، الْمَعْنَى: آتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا، ثُمَّ قَالَ: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا أَيْ إِنَّمَا آتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا حَنَانًا مِنْ لَدُنَّا عَلَيْهِ أَيْ رَحْمَةً عَلَيْهِ وَزَكَاةً أَيْ وَتَزْكِيَةً لَهُ وَتَشْرِيفًا لَهُ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحَنَانُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِزَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: إِنَّمَا اسْتَجَبْنَا لِزَكَرِيَّا دَعَوْتَهُ بِأَنْ أَعْطَيْنَاهُ وَلَدًا ثُمَّ آتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا عَلَيْهِ أَيْ عَلَى زَكَرِيَّا فَعَلْنَا ذَلِكَ. وَزَكاةً أَيْ وَتَزْكِيَةً لَهُ عَنْ أَنْ يَصِيرَ مَرْدُودَ الدُّعَاءِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْحَنَانُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأُمَّةِ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَحَناناً مِنَّا عَلَى أُمَّتِهِ لِعَظِيمِ انْتِفَاعِهِمْ بِهِدَايَتِهِ وَإِرْشَادِهِ، أَمَّا إِذَا جَعَلْنَاهُ صِفَةً لِيَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَفِيهِ وُجُوهٌ. الْأَوَّلُ: آتَيْنَاهُ الْحُكْمَ وَالْحَنَانَ عَلَى عِبَادِنَا أَيِ التَّعَطُّفَ عَلَيْهِمْ وَحُسْنَ النَّظَرِ عَلَى كَافَّتِهِمْ فِيمَا أُوَلِّيهِ مِنَ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ كَمَا وَصَفَ نَبِيَّهُ فَقَالَ: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آلِ عمران: 159] وقال: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التَّوْبَةِ: 128] ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ آتَاهُ زَكَاةً، وَمَعْنَاهُ أَنْ لَا تَكُونَ شَفَقَتُهُ دَاعِيَةً لَهُ إِلَى الْإِخْلَالِ بِالْوَاجِبِ لِأَنَّ الرَّأْفَةَ وَاللِّينَ رُبَّمَا أَوْرَثَا تَرْكَ الْوَاجِبِ أَلَا تَرَى إِلَى قوله تعالى: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ [النُّورِ: 2] وَقَالَ: قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً [التَّوْبَةِ: 123] وَقَالَ: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [الْمَائِدَةِ: 54] فَالْمَعْنَى إِنَّمَا جَعَلْنَا لَهُ التَّعَطُّفَ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ مَعَ الطَّهَارَةِ عَنِ الْإِخْلَالِ بِالْوَاجِبَاتِ، وَيُحْتَمَلُ آتَيْنَاهُ التَّعَطُّفَ عَلَى الْخَلْقِ وَالطَّهَارَةَ عَنِ الْمَعَاصِي فَلَمْ يَعْصِ وَلَمْ يَهُمَّ بِمَعْصِيَةٍ، وَفِي الْآيَةِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَالْمَعْنَى آتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا تَعْظِيمًا إِذْ جَعَلْنَاهُ نَبِيًّا وَهُوَ صَبِيٌّ وَلَا تَعْظِيمَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا
رُوِيَ أَنَّهُ مَرَّ وَرَقَةُ بْنُ/ نَوْفَلٍ عَلَى بِلَالٍ وَهُوَ يُعَذَّبُ قَدْ أُلْصِقَ ظَهْرُهُ بِرَمْضَاءِ الْبَطْحَاءِ، وَيَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُوهُ لَأَتَّخِذَنَّهُ حَنَانًا
أَيْ مُعَظَّمًا. الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: وَزَكاةً وَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ وَآتَيْنَاهُ زَكَاةً أَيْ عَمَلًا صَالِحًا زَكِيًّا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَابْنِ جُرَيْجٍ. وَثَانِيهَا: زَكَاةً لِمَنْ قَبِلَ مِنْهُ حَتَّى يَكُونُوا أَزْكِيَاءَ عَنِ الْحَسَنِ. وَثَالِثُهَا:
زَكَّيْنَاهُ بِحُسْنِ الثَّنَاءِ كَمَا تُزَكِّي الشُّهُودُ الْإِنْسَانَ. وَرَابِعُهَا: صَدَقَةً تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَى أَبَوَيْهِ عَنِ الْكَلْبِيِّ. وَخَامِسُهَا:
بَرَكَةً وَنَمَاءً وَهُوَ الَّذِي قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ [مَرْيَمَ: 31] وَاعْلَمْ أَنَّ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 517
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست