responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 390
الْبَاطِلَةُ وَالْأَخْلَاقُ الْمَذْمُومَةُ، أَمَّا الِاعْتِقَادَاتُ الْبَاطِلَةُ فَأَشَدُّهَا فَسَادًا الِاعْتِقَادَاتُ الْفَاسِدَةُ فِي الْإِلَهِيَّاتِ وَالنُّبُوَّاتِ وَالْمَعَادِ وَالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَالْقُرْآنُ كِتَابٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى دَلَائِلِ الْمَذْهَبِ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَطَالِبِ، وَإِبْطَالِ الْمَذَاهِبِ الْبَاطِلَةِ فِيهَا، وَلَمَّا كَانَ أَقْوَى الْأَمْرَاضِ الرُّوحَانِيَّةِ هُوَ الْخَطَأَ فِي هَذِهِ الْمَطَالِبِ وَالْقُرْآنُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الدَّلَائِلِ الْكَاشِفَةِ عَمَّا فِي هَذِهِ الْمَذَاهِبِ الْبَاطِلَةِ مِنَ الْعُيُوبِ الْبَاطِنَةِ لَا جَرَمَ كَانَ الْقُرْآنُ شِفَاءً مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْمَرَضِ الرُّوحَانِيِّ. وَأَمَّا الْأَخْلَاقُ الْمَذْمُومَةُ فَالْقُرْآنُ مُشْتَمِلٌ عَلَى تَفْصِيلِهَا وَتَعْرِيفِ مَا فِيهَا مِنَ الْمَفَاسِدِ وَالْإِرْشَادِ إِلَى الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ الْكَامِلَةِ وَالْأَعْمَالِ الْمَحْمُودَةِ فَكَانَ الْقُرْآنُ شِفَاءً مِنْ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْمَرَضِ فَثَبَتَ أَنَّ الْقُرْآنَ شِفَاءٌ مِنْ جَمِيعِ الْأَمْرَاضِ الرُّوحَانِيَّةِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ شِفَاءً مِنَ الْأَمْرَاضِ الْجُسْمَانِيَّةِ فَلِأَنَّ التَّبَرُّكَ بِقِرَاءَتِهِ يَدْفَعُ كَثِيرًا مِنَ الْأَمْرَاضِ. وَلَمَّا اعْتَرَفَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَأَصْحَابِ الطَّلْسَمَاتِ بِأَنَّ لِقِرَاءَةِ الرُّقَى الْمَجْهُولَةِ وَالْعَزَائِمِ الَّتِي لَا يُفْهَمُ مِنْهَا شَيْءٌ آثَارًا عَظِيمَةً فِي تَحْصِيلِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ، فَلِأَنْ تَكُونَ قِرَاءَةُ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَتَعْظِيمِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَتَحْقِيرِ الْمَرَدَةِ وَالشَّيَاطِينِ سَبَبًا لِحُصُولِ النَّفْعِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا كَانَ أَوْلَى وَيَتَأَكَّدُ مَا ذَكَرْنَا بِمَا
رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَسْتَشْفِ بِالْقُرْآنِ فَلَا شَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى»
وَأَمَّا كَوْنُهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فَاعْلَمْ أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَرْوَاحَ الْبَشَرِيَّةَ مَرِيضَةٌ بِسَبَبِ الْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ وَالْأَخْلَاقِ الْفَاسِدَةِ وَالْقُرْآنُ قِسْمَانِ بَعْضُهُمَا يُفِيدُ/ الْخَلَاصَ عَنْ شُبَهَاتِ الضَّالِّينَ وَتَمْوِيهَاتِ الْمُبْطِلِينَ وَهُوَ الشِّفَاءُ. وَبَعْضُهُمَا يُفِيدُ تَعْلِيمَ كَيْفِيَّةِ اكْتِسَابِ الْعُلُومِ الْعَالِيَةِ، وَالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ الَّتِي بِهَا يَصِلُ الْإِنْسَانُ إِلَى جِوَارِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالِاخْتِلَاطِ بِزُمْرَةِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَهُوَ الرَّحْمَةُ، وَلَمَّا كَانَ إِزَالَةُ الْمَرَضِ مُقَدَّمَةً عَلَى السَّعْيِ فِي تَكْمِيلِ مُوجِبَاتِ الصِّحَّةِ لَا جَرَمَ بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِذِكْرِ الشِّفَاءِ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ الرَّحْمَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ كَوْنَ الْقُرْآنِ شِفَاءً وَرَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ بَيَّنَ كَوْنَهُ سَبَبًا لِلْخَسَارِ وَالضَّلَالِ فِي حَقِّ الظَّالِمِينَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ سَمَاعَ الْقُرْآنِ يَزِيدُهُمْ غَيْظًا وَغَضَبًا وَحِقْدًا وَحَسَدًا وَهَذِهِ الْأَخْلَاقُ الذَّمِيمَةُ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْأَعْمَالِ الْبَاطِلَةِ وَتَزِيدُ فِي تَقْوِيَةِ تِلْكَ الْأَخْلَاقِ الْفَاسِدَةِ فِي جَوَاهِرِ نُفُوسِهِمْ ثُمَّ لَا يَزَالُ الْخُلُقُ الْخَبِيثُ النَّفْسَانِيُّ يَحْمِلُ عَلَى الْأَعْمَالِ الْفَاسِدَةِ وَالْإِتْيَانُ بِتِلْكَ الْأَعْمَالِ يُقَوِّي تِلْكَ الْأَخْلَاقَ فَبِهَذَا الطَّرِيقِ يَصِيرُ الْقُرْآنُ سَبَبًا لِتَزَايُدِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الضَّالِّينَ فِي دَرَجَاتِ الْخِزْيِ وَالضَّلَالِ وَالْفَسَادِ وَالنَّكَالِ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ السَّبَبَ الْأَصْلِيَّ فِي وُقُوعِ هَؤُلَاءِ الْجَاهِلِينَ الضَّالِّينَ فِي أَوْدِيَةِ الضَّلَالِ وَمَقَامَاتِ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ وَهُوَ حُبُّ الدُّنْيَا وَالرَّغْبَةُ فِي الْمَالِ وَالْجَاهِ وَاعْتِقَادُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِسَبَبِ جِدِّهِمْ وَاجْتِهَادِهِمْ فَقَالَ: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَفِيهِ مَبَاحِثُ:
الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ الإنسان ها هنا هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَهَذَا بَعِيدٌ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ نَوْعَ الْإِنْسَانِ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ إِذَا فَازَ بِمَقْصُودِهِ وَوَصَلَ إِلَى مَطْلُوبِهِ اغْتَرَّ وَصَارَ غَافِلًا عَنْ عُبُودِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَمَرِّدًا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ كَمَا قَالَ: إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [الْعَلَقِ: 6، 7] .
الْبَحْثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ أَعْرَضَ أَيْ وَلَّى ظَهْرَهُ أَيْ عَرْضَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ وَنَأَى بِجَانِبِهِ أَيْ تَبَاعَدَ، وَمَعْنَى النَّأْيِ فِي اللُّغَةِ الْبُعْدُ وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الشَّيْءِ أَنْ يُوَلِّيَهُ عَرْضَ وَجْهِهِ وَالنَّأْيُ بِالْجَانِبِ أَنْ يَلْوِيَ عَنْهُ عِطْفَهُ وَيُوَلِّيَهُ ظَهْرَهُ وَأَرَادَ الِاسْتِكْبَارَ لِأَنَّ ذَلِكَ عَادَةُ الْمُتَكَبِّرِينَ وَفِي قَوْلِهِ نَأى قِرَاءَاتٌ. إِحْدَاهَا: وَهِيَ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْهَمْزَةِ وَفِي حم السَّجْدَةِ مِثْلُهُ وَهِيَ اللُّغَةُ الْغَالِبَةُ وَالنَّأْيُ الْبُعْدُ يُقَالُ نَأَى أَيْ بَعُدَ. وَثَانِيهَا: قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ نَاءٍ وَلَهُ وَجْهَانِ تَقْدِيمُ اللَّامِ عَلَى الْعَيْنِ كَقَوْلِهِمْ رَاءٍ فِي رَأَى وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَأَى بِمَعْنَى نَهَضَ. وَثَالِثُهَا: قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 390
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست