responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 328
أَيْ رَجَّاعِينَ إِلَى اللَّهِ مُنْقَطِعِينَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ الْأَعْمَالِ وَسُنَّةُ اللَّهِ وَحُكْمُهُ فِي الْأَوَّابِينَ أَنَّهُ غَفُورٌ لَهُمْ يُكَفِّرُ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ، وَالْأَوَّابُ هُوَ الَّذِي مِنْ عَادَتِهِ وَدَيْدَنِهِ الرُّجُوعُ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالِالْتِجَاءُ إِلَى فَضْلِهِ وَلَا يَلْتَجِئُ إِلَى شَفَاعَةِ شَفِيعٍ كَمَا يَفْعَلُهُ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ جَمَادًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ يَشْفَعُ لَهُمْ، وَلَفْظُ الْأَوَّابِ عَلَى وَزْنِ فَعَّالٍ، وَهُوَ يُفِيدُ الْمُدَاوَمَةَ وَالْكَثْرَةَ كَقَوْلِهِمْ: قَتَّالٌ وَضَرَّابٌ وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى لَمَّا دَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ تَعْظِيمِ الْوَالِدَيْنِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ ثُمَّ إِنَّ الْوَلَدَ قَدْ يَظْهَرُ مِنْهُ نَادِرَةٌ مُخِلَّةٌ بِتَعْظِيمِهِمَا فَقَالَ: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ يَعْنِي أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِأَحْوَالِ قُلُوبِكُمْ فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْهَفْوَةُ لَيْسَتْ لِأَجْلِ الْعُقُوقِ بَلْ ظَهَرَتْ بِمُقْتَضَى الْجِبِلَّةِ الْبَشَرِيَّةِ كَانَتْ فِي مَحَلِّ الْغُفْرَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[سورة الإسراء (17) : الآيات 26 الى 28]
وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً (28)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنَ أَعْمَالِ الْخَيْرِ وَالطَّاعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: وَآتِ خِطَابٌ مَعَ مَنْ؟ فِيهِ قَوْلَانِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ خِطَابٌ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُؤْتِيَ أَقَارِبَهُ الْحُقُوقَ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا إِخْرَاجَ حَقِّ الْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ أَيْضًا مِنْ هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْكُلِّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلُهُ: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الْإِسْرَاءِ: 23] وَالْمَعْنَى: أَنَّكَ بَعْدَ فَرَاغِكَ مِنْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ، يَجِبُ أَنْ تَشْتَغِلَ بِبِرِّ سَائِرِ الْأَقَارِبِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ، ثُمَّ بِإِصْلَاحِ أَحْوَالِ الْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ مُجْمَلٌ وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ الْحَقَّ مَا هُوَ؟ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِنْفَاقُ إِلَّا عَلَى الْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ، وَقَالَ قَوْمٌ: يَجِبُ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْمَحَارِمِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَحَارِمِ كَأَبْنَاءِ الْعَمِّ فلا حق لهم إلا الموادة والزيادة وَحُسْنُ الْمُعَاشَرَةِ وَالْمُؤَالَفَةُ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ. أَمَّا الْمِسْكِينُ وَابْنُ السَّبِيلِ فَقَدْ تَقَدَّمَ وَصْفُهُمَا فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الزَّكَاةِ. وَيَجِبُ أَنْ يُدْفَعَ إِلَى الْمِسْكِينِ مَا يَفِي بِقُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ، وَأَنْ يُدْفَعَ إِلَى ابْنِ السَّبِيلِ مَا يَكْفِيهِ مِنْ زَادِهِ وَرَاحِلَتِهِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ مَقْصِدَهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً وَالتَّبْذِيرُ فِي اللُّغَةِ إِفْسَادُ الْمَالِ وَإِنْفَاقُهُ فِي السَّرَفِ. قَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ: كُنْتُ أَطُوفُ فِي الْمَسَاجِدِ مَعَ مُجَاهِدٍ حَوْلَ الْكَعْبَةِ فَرَفَعَ رَأَسَهُ إِلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَقَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَنْفَقَ مِثْلَ هَذَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُسْرِفِينَ، وَلَوْ أَنْفَقَ دِرْهَمًا وَاحِدًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ كَانَ مِنَ الْمُسْرِفِينَ. وَأَنْفَقَ بَعْضُهُمْ نَفَقَةً فِي خَيْرٍ فَأَكْثَرَ فَقِيلَ لَهُ لَا خَيْرَ فِي السَّرَفِ فَقَالَ: لَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ،
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: ما هذا السرف يا سعد؟ فقال: أو في الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟ قَالَ: نَعَمْ: وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ
ثُمَّ نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى قُبْحِ التَّبْذِيرِ بِإِضَافَتِهِ إِيَّاهُ إِلَى أَفْعَالِ الشَّيَاطِينِ فَقَالَ: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْأُخُوَّةِ التَّشَبُّهُ بِهِمْ فِي هَذَا الْفِعْلِ الْقَبِيحِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَرَبَ يُسَمُّونَ الْمُلَازِمَ لِلشَّيْءِ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 328
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست