responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 326
بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ فَكَانَتْ دَلَالَةُ الْمَنْعِ مِنَ التَّأْفِيفِ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الضَّرْبِ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
النَّوْعُ الثَّانِي: مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَلَّفَ اللَّهُ تَعَالَى الْعِبَادَ بِهَا فِي حَقِّ الْأَبَوَيْنِ قَوْلُهُ: وَلا تَنْهَرْهُما يُقَالُ: نَهَرَهُ وَانْتَهَرَهُ إِذَا اسْتَقْبَلَهُ بِكَلَامٍ يَزْجُرُهُ قَالَ تَعَالَى: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [الضُّحَى: 10] .
فَإِنْ قِيلَ: الْمَنْعُ مِنَ التَّأْفِيفِ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الِانْتِهَارِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَلَمَّا قَدَّمَ الْمَنْعَ مِنَ التَّأْفِيفِ كَانَ ذِكْرُ الْمَنْعِ مِنَ الِانْتِهَارِ بَعْدَهُ عَبَثًا. أَمَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ قَدَّمَ الْمَنْعَ مِنَ الِانْتِهَارِ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِالْمَنْعِ مِنَ التَّأْفِيفِ كَانَ مُفِيدًا حَسَنًا، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنَ الْمَنْعِ مِنَ الِانْتِهَارِ الْمَنْعُ مِنَ التَّأْفِيفِ، فَمَا السَّبَبُ فِي رِعَايَةِ هَذَا التَّرْتِيبِ؟
قُلْنَا: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ الْمَنْعُ مِنْ إِظْهَارِ الضَّجَرِ بِالْقَلِيلِ أَوِ الْكَثِيرِ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ:
وَلا تَنْهَرْهُما الْمَنْعُ مِنْ إِظْهَارِ الْمُخَالَفَةِ فِي الْقَوْلِ عَلَى سَبِيلِ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَالتَّكْذِيبِ لَهُ.
النَّوْعُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا مَنَعَ الْإِنْسَانَ بِالْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ ذِكْرِ الْقَوْلِ الْمُؤْذِي الْمُوحِشِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْقَوْلِ الْمُؤْذِي لَا يَكُونُ أَمْرًا بِالْقَوْلِ الطَّيِّبِ، لَا جَرَمَ أَرْدَفَهُ بِأَنْ أَمَرَهُ بِالْقَوْلِ الْحَسَنِ وَالْكَلَامِ الطَّيِّبِ فَقَالَ: وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يُخَاطِبَهُ بِالْكَلَامِ الْمَقْرُونِ بِأَمَارَاتِ التَّعْظِيمِ وَالِاحْتِرَامِ. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هُوَ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَا أَبَتَاهُ يَا أُمَّاهُ، وَسُئِلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنِ الْقَوْلِ الْكَرِيمِ فَقَالَ: هُوَ قَوْلُ الْعَبْدِ الْمُذْنِبِ لِلسَّيِّدِ الْفَظِّ، وَعَنْ عَطَاءٍ أَنْ يُقَالَ: هُوَ أَنْ تَتَكَلَّمَ مَعَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَرْفَعَ عَلَيْهِمَا صَوْتَكَ وَلَا تَشُدَّ إِلَيْهِمَا نَظَرَكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ يُنَافِيَانِ الْقَوْلَ الْكَرِيمَ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أَعْظَمَ النَّاسِ حِلْمًا وَكَرَمًا وَأَدَبًا، فَكَيْفَ قَالَ لِأَبِيهِ يَا آزَرُ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ بِالضَّمِّ: إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الْأَنْعَامِ: 74] فَخَاطَبَهُ بِالِاسْمِ وَهُوَ إِيذَاءٌ، ثُمَّ نَسَبَهُ وَنَسَبَ قَوْمَهُ إِلَى الضَّلَالِ وَهُوَ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْإِيذَاءِ؟
قُلْنَا: إِنَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْأَبَوَيْنِ، فَإِقْدَامُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى ذَلِكَ الْإِيذَاءِ إِنَّمَا كَانَ تَقْدِيمًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى حَقِّ الْأَبَوَيْنِ.
النَّوْعُ الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّوَاضُعِ، / وَذَكَرَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَقْرِيرِهِ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الطَّائِرَ إِذَا أَرَادَ ضَمَّ فَرْخِهِ إِلَيْهِ لِلتَّرْبِيَةِ خَفَضَ لَهُ جَنَاحَهُ، وَلِهَذَا السَّبَبِ صَارَ خَفْضُ الْجَنَاحِ كِنَايَةً عَنْ حُسْنِ التَّرْبِيَةِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لِلْوَلَدِ: اكْفُلْ وَالِدَيْكَ بِأَنْ تَضُمَّهُمَا إِلَى نَفْسِكَ كَمَا فَعَلَا ذَلِكَ بِكَ حَالَ صِغَرِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الطَّائِرَ إِذَا أَرَادَ الطَّيَرَانَ وَالِارْتِفَاعَ نَشَرَ جَنَاحَهُ وَإِذَا أَرَادَ تَرْكَ الطَّيَرَانِ وَتَرْكَ الِارْتِفَاعِ خَفَضَ جَنَاحَهُ فَصَارَ خَفْضُ الْجَنَاحِ كِنَايَةً عَنْ فِعْلِ التَّوَاضُعِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَضَافَ الْجَنَاحَ إِلَى الذُّلِّ وَالذُّلُّ لَا جَنَاحَ لَهُ؟
قُلْنَا: فِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ أُضِيفَ الْجَنَاحُ إِلَى الذُّلِّ كَمَا يُقَالُ: حَاتِمُ الْجُودِ فَكَمَا أن المراد هناك حاتم الجواد فكذلك هاهنا الْمُرَادُ، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَكَ الذَّلِيلَ، أَيِ الْمَذْلُولَ. وَالثَّانِي: أَنَّ مَدَارَ الِاسْتِعَارَةِ عَلَى الْخَيَالَاتِ فَهَهُنَا تَخَيَّلَ لِلذُّلِّ جَنَاحًا وَأَثْبَتَ لِذَلِكَ الْجَنَاحِ ضَعْفًا تَكْمِيلًا لِأَمْرِ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ كَمَا قَالَ لَبِيدٌ:
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 326
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست