responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 313
فِي الْأَوَّلِ: وَلَزِمَ إِمَّا الدَّوْرُ أَوِ التَّسَلْسُلُ وَهُمَا مُحَالَانِ. وَثَانِيهَا: أَنَّ الشَّرْعَ إِذَا جَاءَ وَأَوْجَبَ بَعْضَ الْأَفْعَالِ، وَحَرَّمَ بَعْضَهَا فَلَا مَعْنَى لِلْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ، إِلَّا أَنْ يَقُولَ: لَوْ تَرَكْتَ كَذَا وَفَعَلْتَ كَذَا لَعَاقَبْتُكَ فَنَقُولُ: إِمَّا أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الِاحْتِرَازُ عَنِ الْعِقَابِ أَوْ لَا يَجِبَ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الِاحْتِرَازُ عَنِ الْعِقَابِ لَمْ يَتَقَرَّرْ مَعْنَى الْوُجُوبِ الْبَتَّةَ، وَهَذَا بَاطِلٌ فَذَاكَ بَاطِلٌ، وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاحْتِرَازُ عَنِ الْعِقَابِ، فَإِمَّا أَنْ يَجِبَ بِالْعَقْلِ أَوْ بِالسَّمْعِ، فَإِنْ وَجَبَ بِالْعَقْلِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَإِنْ وَجَبَ بِالسَّمْعِ لَمْ يَتَقَرَّرْ مَعْنَى هَذَا الْوُجُوبِ إِلَّا بِسَبَبِ تَرْتِيبِ الْعِقَابِ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَعُودُ التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ وَهُوَ مُحَالٌ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الْعِقَابِ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ مَاهِيَّةُ الْوُجُوبِ حَاصِلَةً مَعَ عَدَمِ الْعِقَابِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَاهِيَّةَ الْوَاجِبِ إِنَّمَا تَتَقَرَّرُ بِسَبَبِ حُصُولِ الْخَوْفِ مِنَ الْعِقَابِ، وَهَذَا الْخَوْفُ حَاصِلٌ بِمَحْضِ الْعَقْلِ، فَثَبَتَ أَنَّ مَاهِيَّةَ الْوُجُوبِ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِسَبَبِ هَذَا الْخَوْفِ، وَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْخَوْفَ حَاصِلٌ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ، فَلَزِمَ أَنْ يُقَالَ: الْوُجُوبُ حَاصِلٌ بِمَحْضِ الْعَقْلِ.
فَإِنْ قَالُوا: مَاهِيَّةُ الْوُجُوبِ إِنَّمَا تَتَقَرَّرُ بِسَبَبِ حُصُولِ الْخَوْفِ مِنَ الذَّمِّ؟
قُلْنَا: إِنَّهُ تَعَالَى إِذَا عَفَا فَقَدْ سَقَطَ الذَّمُّ، فَعَلَى هَذَا مَاهِيَّةُ الْوُجُوبِ إِنَّمَا تَتَقَرَّرُ بِسَبَبِ حُصُولِ الْخَوْفِ مِنَ الذَّمِّ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِمَحْضِ الْعَقْلِ، فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّ الْوُجُوبَ الْعَقْلِيَّ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: فِي الْآيَةِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْ نُجْرِيَ الْآيَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا وَنَقُولُ: الْعَقْلُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الْخَلْقِ، بَلْ هُوَ الرَّسُولُ الَّذِي لَوْلَاهُ لَمَا تَقَرَّرَتْ رِسَالَةُ أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَالْعَقْلُ هُوَ الرَّسُولُ الْأَصْلِيُّ، فَكَانَ مَعْنَى الْآيَةِ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولَ الْعَقْلِ. وَالثَّانِي: أَنْ نُخَصِّصَ عُمُومَ الْآيَةِ فَنَقُولُ: الْمُرَادُ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ فِي الْأَعْمَالِ الَّتِي لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ وُجُوبِهَا إِلَّا بِالشَّرْعِ إِلَّا بَعْدَ مَجِيءِ الشَّرْعِ، وَتَخْصِيصُ الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَ عُدُولًا عَنِ الظَّاهِرِ إِلَّا أَنَّهُ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلَائِلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا قِيَامَ الدَّلَائِلِ الثَّلَاثَةِ، عَلَى أَنَّا لَوْ نَفَيْنَا الْوُجُوبَ الْعَقْلِيَّ لَزِمَنَا نَفْيُ الْوُجُوبِ الشَّرْعِيِّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي نَرْتَضِيهِ وَنَذْهَبُ إِلَيْهِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ سَبَبٌ فِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْنَا فِعْلُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَتَرْكُ مَا يُتَضَرَّرُ بِهِ، أَمَّا مُجَرَّدُ الْعَقْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ وَذَلِكَ لِأَنَّا مَجْبُولُونَ عَلَى طَلَبِ النَّفْعِ وَالِاحْتِرَازِ عَنِ الضَّرَرِ، فَلَا جَرَمَ كَانَ الْعَقْلُ وَحْدَهُ كَافِيًا فِي الْوُجُوبِ فِي حَقِّنَا وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ طَلَبِ النَّفْعِ وَالْهَرَبِ مِنَ الضَّرَرِ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَحْكُمَ الْعَقْلُ عَلَيْهِ بِوُجُوبِ فِعْلٍ أَوْ تَرْكِ فِعْلٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[سورة الإسراء (17) : الآيات 16 الى 17]
وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (16) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17)
[فِي قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
] فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
قَوْلُهُ: أَمَرْنا مُتْرَفِيها
فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْأَمْرِ قَوْلَانِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْأَمْرُ بِالْفِعْلِ، ثُمَّ إِنَّ لَفْظَ الْآيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى بِمَاذَا يَأْمُرُهُمْ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى يَأْمُرُهُمْ بِالطَّاعَاتِ وَالْخَيْرَاتِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ يُخَالِفُونَ ذَلِكَ الْأَمْرَ وَيَفْسُقُونَ وَقَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : ظَاهِرُ اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَأْمُرُهُمْ بِالْفِسْقِ فَيَفْسُقُونَ، إِلَّا أَنَّ هَذَا مَجَازٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ فتح عليهم
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 313
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست