responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 225
نقول جَعَلْتَ لَكَ، وَأَبَى الزَّجَّاجُ إِجَازَةَ الوجه الْأَوَّلِ، وَقَالَ «مَا» فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ لَا غَيْرُ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَهُمُ الشَّيْءُ الَّذِي يَشْتَهُونَهُ، وَلَا يَجُوزُ النَّصْبُ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ جَعَلَ لِنَفْسِهِ مَا تَشْتَهِي، وَلَا تَقُولُ جَعَلَ لَهُ مَا يَشْتَهِي وَهُوَ يَعْنِي نَفْسَهُ. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَا يَرْضَى بِالْوَلَدِ الْبِنْتِ لِنَفْسِهِ فَمَا لَا يَرْتَضِيهِ لِنَفْسِهِ كَيْفَ يَنْسُبُهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَالَ: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
المسألة الْأُولَى: التَّبْشِيرُ فِي عُرْفِ اللُّغَةِ مُخْتَصٌّ بِالْخَبَرِ الَّذِي يُفِيدُ السُّرُورَ إِلَّا أَنَّهُ بِحَسَبِ أَصْلِ اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الْخَبَرِ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِي تَغَيُّرِ بَشَرَةِ الوجه، وَمَعْلُومٌ أَنَّ السُّرُورَ كَمَا يُوجِبُ تَغَيُّرَ الْبَشَرَةِ فَكَذَلِكَ الْحُزْنُ يُوجِبُهُ.
فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَفْظَةُ التَّبْشِيرِ حَقِيقَةً فِي الْقِسْمَيْنِ، وَيَتَأَكَّدُ هَذَا بِقَوْلِهِ/ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [آلِ عِمْرَانَ: 21] وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: المراد بالتبشير هاهنا الْإِخْبَارُ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَدْخَلُ فِي التَّحْقِيقِ.
أما قوله: ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا فَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَصِيرُ مُتَغَيِّرًا تَغَيُّرَ مُغْتَمٍّ، وَيُقَالُ لِمَنْ لَقِيَ مَكْرُوهًا قَدِ اسْوَدَّ وَجْهُهُ غَمًّا وَحَزَنًا، وَأَقُولُ إِنَّمَا جَعَلَ اسْوِدَادَ الوجه كِنَايَةً عَنِ الْغَمِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا قَوِيَ فَرَحُهُ انْشَرَحَ صَدْرُهُ وَانْبَسَطَ رُوحُ قَلْبِهِ مِنْ دَاخِلِ الْقَلْبِ، وَوَصَلَ إِلَى الْأَطْرَافِ، وَلَا سِيَّمَا إِلَى الوجه لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّعَلُّقِ الشَّدِيدِ، وَإِذَا وَصَلَ الرُّوحُ إِلَى ظَاهِرِ الوجه أَشْرَقَ الوجه وَتَلَأْلَأَ وَاسْتَنَارَ، وَأَمَّا إِذَا قَوِيَ غَمُّ الْإِنْسَانِ احْتَقَنَ الرُّوحُ فِي بَاطِنِ الْقَلْبِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ أَثَرٌ قَوِيٌّ فِي ظَاهِرِ الوجه، فَلَا جَرَمَ يُرَبَّدُ الوجه وَيَصْفَرُّ وَيَسْوَدُّ وَيَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ الْأَرْضِيَّةِ وَالْكَثَافَةِ، فَثَبَتَ أَنَّ مِنْ لَوَازِمِ الْفَرَحِ اسْتِنَارَةَ الوجه وَإِشْرَاقَهُ، وَمِنْ لَوَازِمَ الْغَمِّ كُمُودَةَ الوجه وَغُبْرَتَهُ وَسَوَادَهُ، فَلِهَذَا السَّبَبِ جُعِلَ بَيَاضُ الوجه إشراقه كِنَايَةً عَنِ الْفَرَحِ وَغُبْرَتُهُ وَكُمُودَتُهُ وَسَوَادُهُ كِنَايَةً عَنِ الْغَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْكَرَاهِيَةِ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ: ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ أَيْ مُمْتَلِئٌ غَمًّا وَحَزَنًا.
ثم قال تَعَالَى: يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ أَيْ يَخْتَفِي وَيَتَغَيَّبُ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا ظَهَرَ آثَارُ الطَّلْقِ بِامْرَأَتِهِ تَوَارَى وَاخْتَفَى عَنِ الْقَوْمِ إِلَى أَنْ يَعْلَمَ مَا يُولَدُ لَهُ فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا ابْتَهَجَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى حَزِنَ وَلَمْ يَظْهَرْ لِلنَّاسِ أَيَّامًا يُدَبِّرُ فِيهَا أَنَّهُ مَاذَا يَصْنَعُ بِهَا؟ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ وَالْمَعْنَى: أَيَحْبِسُهُ؟ وَالْإِمْسَاكُ هاهنا بِمَعْنَى الْحَبْسِ كَقَوْلِهِ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ [الْأَحْزَابِ: 37] وَإِنَّمَا قَالَ: أَيُمْسِكُهُ ذَكَرَهُ بِضَمِيرِ الذُّكْرَانِ لِأَنَّ هَذَا الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى «مَا» فِي قَوْلِهِ: ما بُشِّرَ بِهِ وَالْهُونُ الْهَوَانُ قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ يُقَالُ إِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْهِ هُونًا وَهَوَانًا، وَأَهَنْتُهُ هُونًا وَهَوَانًا، وَذَكَرْنَا هَذَا فِي سُورَةِ الأنعام عند قوله، عَذابَ الْهُونِ [الأنعام: 93] وَفِي أَنَّ هَذَا الْهُونَ صِفَةُ مَنْ؟ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ صِفَةُ الْمَوْلُودَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُمْسِكُهَا عَنْ هُونٍ مِنْهُ لَهَا. وَالثَّانِي: قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ صِفَةٌ لِلْأَبِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُمْسِكُهَا مَعَ الرِّضَا بِهَوَانِ نَفْسِهِ وَعَلَى رَغْمِ أَنْفِهِ.
ثم قال: أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ وَالدَّسُّ إِخْفَاءُ الشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ. يُرْوَى أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَحْفِرُونَ حَفِيرَةً وَيَجْعَلُونَهَا فِيهَا حَتَّى تَمُوتَ.
وَرُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي وَارَيْتُ ثَمَانِيَ بَنَاتٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَعْتِقْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَقَبَةً» ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي ذُو إِبِلٍ، فَقَالَ: «أهد عن كل واحدة منهن هَدْيًا»
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا أَجِدُ حَلَاوَةَ الْإِسْلَامِ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، فَقَدْ كَانَتْ لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ ابْنَةٌ فَأَمَرْتُ امْرَأَتِي أَنْ تُزَيِّنَهَا فَأَخْرَجَتْهَا إِلَيَّ فَانْتَهَيْتُ بِهَا إِلَى وَادٍ بَعِيدِ الْقَعْرِ فَأَلْقَيْتُهَا فِيهِ، فَقَالَتْ: يَا أَبَتِ قَتَلْتَنِي، فَكُلَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَهَا لَمْ يَنْفَعْنِي شَيْءٌ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَدْ هَدَمَهُ الْإِسْلَامُ وَمَا كَانَ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 225
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست