responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 384
[ص: 17] ، وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ [يس: 13، 14] وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَوَاضِعُ الْمُصَرِّحَةُ نَزَلَتْ قَبْلَ هَذِهِ السورة فلا جرم ترك ذلك هاهنا اكْتِفَاءً بِذَلِكَ الْمُصَرَّحِ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ «إِذْ» بِقَالُوا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْمَلَكُ أَصْلُهُ مِنَ الرِّسَالَةِ، يُقَالُ أَلَكَنِي إِلَيْهِ أَيْ أَرْسَلَنِي إِلَيْهِ وَالْمَأْلُكَةُ وَالْأَلُوكَةُ الرِّسَالَةُ وَأَصْلُهُ الْهَمْزَةُ مِنْ «مَلْأَكَةٍ» حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ وَأُلْقِيَتْ حَرَكَتُهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا طَلَبًا لِلْخِفَّةِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الْمَلَائِكُ جَمْعُ مَلْأَكٍ عَلَى الْأَصْلِ كالشمائل فِي جَمْعِ شَمْأَلٍ وَإِلْحَاقُ التَّاءِ لِتَأْنِيثِ الْجَمْعِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: الْكَلَامُ فِي الْمَلَائِكَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى الْكَلَامِ فِي الْأَنْبِيَاءِ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَ ذِكْرَ الْإِيمَانِ بِالْمَلَائِكَةِ عَلَى ذِكْرِ الْإِيمَانِ بِالرُّسُلِ فِي قَوْلِهِ: وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ [المؤمنون: 285]
وَلَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ»
الثَّانِي: أَنَّ الْمَلَكَ وَاسِطَةٌ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الرَّسُولِ فِي تَبْلِيغِ الْوَحْيِ وَالشَّرِيعَةِ فَكَانَ مُقَدَّمًا عَلَى الرَّسُولِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ:
الْكَلَامُ فِي النُّبُوَّاتِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْكَلَامِ فِي الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَنَا إِلَى مَعْرِفَةِ وُجُودِ الْمَلَائِكَةِ بِالْعَقْلِ بَلْ بِالسَّمْعِ، فَكَانَ الْكَلَامُ فِي النُّبُوَّاتِ أَصْلًا لِلْكَلَامِ فِي الْمَلَائِكَةِ فَلَا جَرَمَ وَجَبَ تَقْدِيمُ الْكَلَامِ فِي النُّبُوَّاتِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْمَلَكُ قَبْلَ النَّبِيِّ بِالشَّرَفِ وَالْعِلْيَةِ وَبَعْدَهُ فِي عُقُولِنَا وَأَذْهَانِنَا بِحَسَبِ وُصُولِنَا إِلَيْهَا بِأَفْكَارِنَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُقَلَاءِ فِي أَنَّ شَرَفَ الرُّتْبَةِ لِلْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ هُوَ وُجُودُ الْمَلَائِكَةِ فِيهِ كَمَا أَنَّ شَرَفَ الرُّتْبَةِ لِلْعَالَمِ السُّفْلِيِّ هُوَ وُجُودُ الْإِنْسَانِ فِيهِ إِلَّا أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي مَاهِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ وَحَقِيقَتِهِمْ وَطَرِيقُ ضَبْطِ الْمَذَاهِبِ أَنْ يُقَالَ: الْمَلَائِكَةُ لا بد وأن تكون ذوات قَائِمَةً بِأَنْفُسِهَا ثُمَّ إِنَّ تِلْكَ الذَّوَاتِ إِمَّا أن تكون متحيزة أولا تَكُونَ، أَمَّا الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمَلَائِكَةُ ذوات مُتَحَيِّزَةً فَهُنَا أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا أَجْسَامٌ لَطِيفَةٌ هَوَائِيَّةٌ تَقْدِرُ عَلَى التَّشَكُّلِ بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ مَسْكَنُهَا السموات، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُسْلِمِينَ. وَثَانِيًا: قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَهُوَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ هِيَ الْحَقِيقَةُ فِي هَذِهِ الْكَوَاكِبِ الْمَوْصُوفَةِ بِالْإِسْعَادِ وَالْإِنْحَاسِ فَإِنَّهَا بِزَعْمِهِمْ أَحْيَاءٌ نَاطِقَةٌ، وَأَنَّ الْمُسْعِدَاتِ مِنْهَا مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَالْمُنْحِسَاتِ مِنْهَا مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، وَثَالِثُهَا: قَوْلُ مُعْظَمِ الْمَجُوسِ وَالثَّنَوِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْعَالَمَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَصْلَيْنِ أَزَلِيَّيْنِ وَهُمَا النُّورُ وَالظُّلْمَةُ، وَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ جَوْهَرَانِ شَفَّافَانِ مُخْتَارَانِ قَادِرَانِ مُتَضَادَّا النَّفْسِ وَالصُّورَةِ مُخْتَلِفَا الْفِعْلِ وَالتَّدْبِيرِ، فَجَوْهَرُ النُّورِ فَاضِلٌ خَيِّرٌ نَقِيٌّ طَيِّبُ الرِّيحِ كَرِيمُ النَّفْسِ يَسُرُّ وَلَا يَضُرُّ، وَيَنْفَعُ وَلَا يَمْنَعُ، وَيُحْيِي وَلَا يُبْلِي وَجَوْهَرُ الظُّلْمَةِ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ. ثُمَّ إِنَّ جَوْهَرَ النُّورِ لَمْ يَزَلْ يُوَلِّدُ الْأَوْلِيَاءَ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّنَاكُحِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ تَوَلُّدِ الْحِكْمَةِ مِنَ الْحَكِيمِ وَالضَّوْءِ مِنَ الْمُضِيءِ. وَجَوْهَرُ الظُّلْمَةِ لَمْ يَزَلْ يُوَلِّدُ الْأَعْدَاءَ وَهُمُ الشَّيَاطِينُ عَلَى سَبِيلِ تَوَلُّدِ السَّفَهِ مِنَ السَّفِيهِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّنَاكُحِ فَهَذِهِ أَقْوَالُ مَنْ جَعَلَ الْمَلَائِكَةَ أَشْيَاءَ مُتَحَيِّزَةً جُسْمَانِيَّةً. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ ذَوَاتٌ قَائِمَةٌ بِأَنْفُسِهَا وَلَيْسَتْ بِمُتَحَيِّزَةٍ وَلَا بِأَجْسَامٍ فَهَهُنَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا:
قَوْلُ طَوَائِفَ مِنَ النَّصَارَى وَهُوَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ الْأَنْفُسُ النَّاطِقَةُ الْمُفَارِقَةُ لِأَبْدَانِهَا عَلَى نَعْتِ الصَّفَاءِ وَالْخَيْرِيَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ النُّفُوسَ الْمُفَارِقَةَ إِنْ كَانَتْ صَافِيَةً خَالِصَةً فَهِيَ الْمَلَائِكَةُ، وَإِنْ كَانَتْ خَبِيثَةً كَدِرَةً فَهِيَ الشَّيَاطِينُ. وَثَانِيهِمَا: قَوْلُ الْفَلَاسِفَةِ: وَهِيَ أنها جواهر قائمة بأنفسها وليس بِمُتَحَيِّزَةٍ الْبَتَّةَ، وَأَنَّهَا بِالْمَاهِيَّةِ مُخَالِفَةٌ لِأَنْوَاعِ النُّفُوسِ النَّاطِقَةِ الْبَشَرِيَّةِ وَأَنَّهَا أَكْمَلُ قُوَّةً مِنْهَا وَأَكْثَرُ عِلْمًا مِنْهَا، وَأَنَّهَا لِلنُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الشَّمْسِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَضْوَاءِ، ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْجَوَاهِرَ عَلَى قِسْمَيْنِ، مِنْهَا مَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَجْرَامِ الْأَفْلَاكِ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 384
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست