responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 379
[سورة البقرة (2) : آية 29]
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النِّعْمَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي عَمَّتِ الْمُكَلَّفِينَ بِأَسْرِهِمْ وَمَا أَحْسَنَ مَا رَعَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذَا التَّرْتِيبَ فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ حُصُولِ الْحَيَاةِ فَلِهَذَا ذَكَرَ اللَّهُ أَمْرَ الْحَيَاةِ أَوَّلًا ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَمَّا قَوْلُهُ: خَلَقَ فَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ فِي قَوْلِهِ: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ [الْبَقَرَةِ: 21] وَأَمَّا قَوْلُهُ:
لَكُمْ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ بَعْدَ قَوْلِهِ خَلَقَ لِأَجْلِ انْتِفَاعِنَا فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَلِيُصْلِحَ أَبْدَانَنَا وَلِنَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَأَمَّا فِي الدِّينِ فَلِلِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالِاعْتِبَارِ بِهَا وَجَمَعَ بِقَوْلِهِ: مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً جَمِيعَ الْمَنَافِعِ، فَمِنْهَا مَا يَتَّصِلُ بِالْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْمَعَادِنِ وَالْجِبَالِ وَمِنْهَا مَا يَتَّصِلُ بِضُرُوبِ الْحِرَفِ وَالْأُمُورِ الَّتِي اسْتَنْبَطَهَا الْعُقَلَاءُ وَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ إِنَّمَا خَلَقَهَا كَيْ يُنْتَفَعَ بِهَا كَمَا قَالَ: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [الْجَاثِيَةِ: 13] فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وقد خلق لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا أَوْ يُقَالُ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى الْإِعَادَةِ وَقَدْ أَحْيَاكُمْ بَعْدَ مَوْتِكُمْ وَلِأَنَّهُ خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ/ جَمِيعًا فَكَيْفَ يَعْجَزُ عَنْ إِعَادَتِكُمْ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ تَفَاصِيلَ هَذِهِ الْمَنَافِعِ فِي سُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ كَمَا قَالَ: أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا [عَبَسَ: 25] وَقَالَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ [النَّحْلِ: 5] إِلَى آخره وهاهنا مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ أَصْحَابُنَا: إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَفْعَلُ فِعْلًا لِغَرَضٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مُسْتَكْمَلًا بِذَلِكَ الْغَرَضِ وَالْمُسْتَكْمَلُ بِغَيْرِهِ نَاقِصٌ بِذَاتِهِ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ فَإِنْ قِيلَ: فِعْلُهُ تَعَالَى مُعَلَّلٌ بِغَرَضٍ غَيْرِ عَائِدٍ إِلَيْهِ بَلْ إِلَى غَيْرِهِ، قُلْنَا: عَوْدُ ذَلِكَ الْغَرَضِ إِلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ هَلْ هُوَ أَوْلَى لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ عَوْدِ ذَلِكَ الْغَرَضِ إِلَيْهِ أَوْ لَيْسَ أَوْلَى؟ فَإِنْ كَانَ أَوْلَى فَهُوَ تَعَالَى قَدِ انْتَفَعَ بِذَلِكَ الْفِعْلِ فَيَعُودُ الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْغَرَضِ الْمَذْكُورِ لِذَلِكَ الْغَيْرِ غَرَضًا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا فِيهِ. وَثَانِيهَا: أَنَّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا لِغَرَضٍ كَانَ عَاجِزًا عَنْ تَحْصِيلِ ذَلِكَ الْغَرَضِ إِلَّا بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَالْعَجْزُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ فَعَلَ فِعْلًا لِغَرَضٍ لَكَانَ ذَلِكَ الْغَرَضُ إِنْ كَانَ قَدِيمًا لَزِمَ قِدَمُ الْفِعْلِ وَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا كَانَ فِعْلُهُ لِذَلِكَ الْغَرَضِ لِغَرَضٍ آخَرَ وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ وَهُوَ مُحَالٌ. وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ كَانَ يَفْعَلُ لِغَرَضٍ لَكَانَ ذَلِكَ الْغَرَضُ هُوَ رِعَايَةُ مَصْلَحَةِ الْمُكَلَّفِينَ وَلَوْ تَوَقَّفَتْ فَاعِلِيَّتُهُ عَلَى ذَلِكَ لَمَا فَعَلَ مَا كَانَ مَفْسَدَةً فِي حَقِّهِمْ لَكِنَّهُ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ حَيْثُ كَلَّفَ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ ثُمَّ إِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِي اللَّامِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَفِي قَوْلِهِ: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذَّارِيَاتِ: 56] فَقَالُوا إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا فَعَلَ مَا لَوْ فَعَلَهُ غَيْرُهُ لَكَانَ فِعْلُهُ لِذَلِكَ الشَّيْءِ لِأَجْلِ الْغَرَضِ لَا جَرَمَ أَطْلَقَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَفْظَ الْغَرَضِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْمُشَابَهَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ أَهْلُ الْإِبَاحَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْكُلَّ لِلْكُلِّ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ اخْتِصَاصٌ بِشَيْءٍ أَصْلًا وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَابَلَ الْكُلَّ بِالْكُلِّ، فَيَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ، وَالتَّعْيِينُ يُسْتَفَادُ مِنْ دَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ وَالْفُقَهَاءُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَنَافِعِ الْإِبَاحَةُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 379
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست