responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 259
وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ الْكِتَابَ بَعْضَهُ بَعْدَ بَعْضٍ، فَنَزَلَ قَبْلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ سُوَرٌ كَثِيرَةٌ، وَهِيَ كُلُّ مَا نَزَلَ بِمَكَّةَ مِمَّا فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى التَّوْحِيدِ وَفَسَادِ الشِّرْكِ وَإِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ وَإِثْبَاتِ الْمَعَادِ، فَقَوْلُهُ: ذلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى تِلْكَ السُّوَرِ الَّتِي نَزَلَتْ قَبْلَ هَذِهِ السُّورَةِ، وَقَدْ يُسَمَّى بَعْضُ الْقُرْآنِ قُرْآنًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ [الْأَعْرَافِ: 204] وَقَالَ حَاكِيًا عَنِ الْجِنِّ إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً [الْجِنِّ: 1] وَقَوْلُهُ: إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى [الْأَحْقَافِ: 30] وَهُمْ مَا سَمِعُوا إِلَّا الْبَعْضَ، وَهُو الَّذِي كَانَ قَدْ نَزَلَ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَثَانِيهَا: أَنَّهُ تَعَالَى وَعَدَ رَسُولَهُ عِنْدَ مَبْعَثِهِ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِ كِتَابًا لَا يَمْحُوهُ الْمَاحِي، وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخْبَرَ أُمَّتَهُ بِذَلِكَ وَرَوَتِ الْأُمَّةُ ذَلِكَ عَنْهُ، / وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [الْمُزَّمِّلِ: 5] وَهَذَا فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ، وَهِيَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي ابْتِدَاءِ الْمَبْعَثِ، وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى خَاطَبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِأَنَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ مَدَنِيَّةٌ، وَأَكْثَرُهَا احْتِجَاجٌ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَخْبَرَهُمْ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَنَّ اللَّهَ يُرْسِلُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُنْزِلُ عَلَيْهِ كِتَابًا فَقَالَ تَعَالَى: ذلِكَ الْكِتابُ أَيِ الْكِتَابُ الَّذِي أَخْبَرَ الْأَنْبِيَاءُ الْمُتَقَدِّمُونَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيُنْزِلُهُ عَلَى النَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَخْبَرَ عَنِ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا [الزُّخْرُفِ: 4] وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخْبَرَ أُمَّتَهُ بِذَلِكَ، فَغَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يَقُولَ تَعَالَى: ذلِكَ الْكِتابُ لِيُعْلِمَ أَنَّ هَذَا الْمُنَزَّلَ هُوَ ذَلِكَ الْكِتَابُ الْمُثْبَتُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ وَقَعَتِ الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَى «الم» بَعْدَ مَا سَبَقَ التَّكَلُّمُ بِهِ وَانْقَضَى، وَالْمُنْقَضِي فِي حُكْمِ الْمُتَبَاعَدِ، وَسَادِسُهَا: أَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ مِنَ الْمُرْسِلِ إِلَى الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ وَقَعَ فِي حَدِّ الْبُعْدِ، كَمَا تَقُولُ لِصَاحِبِكَ- وَقَدْ أَعْطَيْتَهُ شَيْئًا- احْتَفِظْ بِذَلِكَ. وَسَابِعُهَا: أَنَّ الْقُرْآنَ لَمَّا اشْتَمَلَ عَلَى حِكَمٍ عَظِيمَةٍ وَعُلُومٍ كَثِيرَةٍ يَتَعَسَّرُ اطِّلَاعُ الْقُوَّةِ الْبَشَرِيَّةِ عَلَيْهَا بِأَسْرِهَا- وَالْقُرْآنُ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا نَظَرًا إِلَى صُورَتِهِ لَكِنَّهُ غَائِبٌ نَظَرًا إِلَى أَسْرَارِهِ وَحَقَائِقِهِ- فَجَازَ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ كَمَا يُشَارُ إِلَى البعيد الغائب.
«ذلك» يشار بها للقريب والبعيد:
الْمَقَامُ الثَّانِي: سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ حَاضِرٌ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ لَفْظَةَ «ذَلِكَ» لَا يُشَارُ بِهَا إِلَّا إِلَى الْبَعِيدِ، بَيَانُهُ أَنَّ ذَلِكَ، وَهَذَا حَرْفَا إِشَارَةٍ، وَأَصْلُهُمَا «ذَا» ، لِأَنَّهُ حَرْفٌ لِلْإِشَارَةِ، قَالَ تَعَالَى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [الْبَقَرَةِ: 245] وَمَعْنَى «هَا» تَنْبِيهٌ، فَإِذَا قَرُبَ الشَّيْءُ أُشِيرَ إِلَيْهِ فَقِيلَ: هَذَا، أَيْ تَنَبَّهْ أَيُّهَا الْمُخَاطَبُ لِمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ حَاضِرٌ لَكَ بِحَيْثُ تَرَاهُ، وَقَدْ تَدْخُلُ الْكَافُ عَلَى «ذَا» لِلْمُخَاطَبَةِ وَاللَّامُ لِتَأْكِيدِ مَعْنَى الْإِشَارَةِ فَقِيلَ: «ذَلِكَ» فَكَأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ بَالِغٌ فِي التَّنْبِيهِ لِتَأَخُّرِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ عَنْهُ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ ذَلِكَ لَا تُفِيدُ الْبُعْدَ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ، بَلِ اخْتُصَّ فِي الْعُرْفِ بِالْإِشَارَةِ إِلَى الْبَعِيدِ لِلْقَرِينَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، فَصَارَتْ كَالدَّابَّةِ، فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ فِي الْعُرْفِ بِالْفَرَسِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ مُتَنَاوِلَةً لِكُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الْأَرْضِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فنقول: إنا نحمله هاهنا عَلَى مُقْتَضَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ، لَا عَلَى مُقْتَضَى الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ، وَحِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ الْبُعْدَ، وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْمُقَارَبَةِ يُقَامُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ اللَّفْظَيْنِ مَقَامَ الْآخَرِ قَالَ تَعَالَى: وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ- إِلَى قَوْلِهِ- وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ [ص: 45- 48] ثم قال: هذا ذِكْرُ [الأنبياء: 24] وَقَالَ: وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ [ص: 52، 53] وَقَالَ: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق: 19] وَقَالَ: فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى [النَّازِعَاتِ: 25، 26] وَقَالَ: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ [الْأَنْبِيَاءِ: 105] ثُمَّ قَالَ: إِنَّ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 259
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست