responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 19  صفحه : 50
فَهُوَ مُفَوَّضٌ إِلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إِنْ شَاءَ أَظْهَرَهَا وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُظْهِرْهَا وَلَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ.
الشُّبْهَةُ الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُخَوِّفُهُمْ بِنُزُولِ الْعَذَابِ وَظُهُورِ النُّصْرَةِ لَهُ وَلِقَوْمِهِ. ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْمَوْعُودَ كَانَ يَتَأَخَّرُ فَلَمَّا لَمْ يُشَاهِدُوا تِلْكَ الْأُمُورَ احْتَجُّوا بِهَا عَلَى الطَّعْنِ فِي نُبُوَّتِهِ، وَقَالُوا: لَوْ كَانَ نَبِيًّا صَادِقًا لَمَا ظَهَرَ كَذِبُهُ.
فَأَجَابَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ يَعْنِي نُزُولَ الْعَذَابِ عَلَى الْكُفَّارِ وَظُهُورَ الْفَتْحِ وَالنَّصْرِ لِلْأَوْلِيَاءِ قَضَى اللَّهُ بِحُصُولِهَا فِي أَوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَلِكُلِّ حَادِثٍ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ ولِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ فَقَبْلَ حُضُورِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَحْدُثُ ذَلِكَ الْحَادِثُ فَتَأَخُّرُ تِلْكَ الْمَوَاعِيدِ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ كَاذِبًا.
الشُّبْهَةُ السَّادِسَةُ: قَالُوا: لَوْ كَانَ فِي دَعْوَى الرِّسَالَةِ مُحِقًّا لَمَا نسخ الأحكام التي نص الله تعالى عليه ثوبتها فِي الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ نَحْوَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، لَكِنَّهُ نَسَخَهَا وَحَرَّفَهَا نَحْوَ تَحْرِيفِ الْقِبْلَةِ، وَنَسْخِ أَكْثَرِ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ نَبِيًّا حَقًّا.
فَأَجَابَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ وَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ كَالْمُقَدِّمَةِ لِتَقْرِيرِ هَذَا الْجَوَابِ، وَذَلِكَ لِأَنَّا نُشَاهِدُ أَنَّهُ تَعَالَى يَخْلُقُ حَيَوَانًا عَجِيبَ الْخِلْقَةِ بَدِيعَ الْفِطْرَةِ مِنْ قَطْرَةٍ مِنَ النُّطْفَةِ ثُمَّ يُبْقِيهِ مُدَّةً مَخْصُوصَةً ثُمَّ يُمِيتُهُ وَيُفَرِّقُ أَجْزَاءَهُ وَأَبْعَاضَهُ فَلَمَّا لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُحْيِيَ أَوَّلًا، ثُمَّ يُمِيتَ ثَانِيًا فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ أَنْ يُشَرِّعَ الحكم فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، ثُمَّ ينسحه فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ مَا ذَكَرْنَاهُ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَرَّرَ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةَ قَالَ: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُوجِدُ تَارَةً وَيُعْدِمُ أُخْرَى، وَيُحْيِي تَارَةً وَيُمِيتُ أُخْرَى، وَيُغْنِي تَارَةً وَيُفْقِرُ أُخْرَى فَكَذَلِكَ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَشْرَعَ الحكم تَارَةً ثُمَّ يَنْسَخَهُ أُخْرَى بِحَسَبِ مَا اقْتَضَتْهُ الْمَشِيئَةُ الْإِلَهِيَّةُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَوْ بِحَسِبِ مَا اقْتَضَتْهُ/ رِعَايَةُ الْمَصَالِحِ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ فَهَذَا إِتْمَامُ التَّحْقِيقِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، ثُمَّ هَاهُنَا مَسَائِلُ:
المسألة الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ فِيهِ أَقْوَالٌ. الْأَوَّلُ: أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ وَقْتًا مُقَدَّرًا فَالْآيَاتُ الَّتِي سَأَلُوهَا لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ حَكَمَ اللَّهُ بِهِ وَكَتَبَهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَلَا يَتَغَيَّرُ عَنْ ذَلِكَ الحكم بِسَبَبِ تَحَكُّمَاتِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَاهُمْ مَا الْتَمَسُوا لَكَانَ فِيهِ أَعْظَمُ الْفَسَادِ. الثَّانِي: أَنَّ لِكُلِّ حَادِثٍ وَقْتًا مُعَيَّنًا قَضَى اللَّهُ حُصُولَهُ فِيهِ كَالْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ، وَلَا يَتَغَيَّرُ الْبَتَّةَ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا مِنَ الْمَقْلُوبِ وَالْمَعْنَى: أَنَّ لِكُلِّ كِتَابٍ مُنَزَّلٍ مِنَ السَّمَاءِ أَجَلًا يُنْزِلُهُ فِيهِ، أَيْ لِكُلِّ كِتَابٍ وَقْتٌ يُعْمَلُ بِهِ، فَوَقْتُ الْعَمَلِ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ قَدِ انْقَضَى وَوَقْتُ الْعَمَلِ بِالْقُرْآنِ قَدْ أَتَى وَحَضَرَ. وَالرَّابِعُ: لِكُلِّ أَجَلٍ مُعَيَّنٍ كِتَابٌ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ الْحَفَظَةِ فَلِلْإِنْسَانِ أَحْوَالٌ أَوَّلُهَا نُطْفَةٌ ثُمَّ عَلَقَةٌ ثُمَّ مُضْغَةٌ ثُمَّ يَصِيرُ شَابًّا ثُمَّ شَيْخًا، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ وَالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ. الْخَامِسُ: كُلُّ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ مُشْتَمِلٌ عَلَى مَصْلَحَةٍ خَفِيَّةٍ وَمَنْفَعَةٍ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ حَدَثَ ذَلِكَ الْحَادِثُ وَلَا يَجُوزُ حُدُوثُهُ فِي غَيْرِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْكُلَّ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَبِقَدَرِهِ وَأَنَّ الْأُمُورَ مَرْهُونَةٌ بِأَوْقَاتِهَا، لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ مَعْنَاهُ أن تحت كل أجل حادث معين، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّعْيِينُ لِأَجْلِ خَاصِّيَّةِ الْوَقْتِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ، لِأَنَّ الْأَجْزَاءَ الْمَعْرُوضَةَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمُتَعَاقِبَةِ مُتَسَاوِيَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ اخْتِصَاصُ كُلِّ وَقْتٍ بِالْحَادِثِ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 19  صفحه : 50
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست