responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 19  صفحه : 172
رَبَّعَ بِذِكْرِ الِاسْتِدْلَالِ بِأَحْوَالِ النَّبَاتِ، ثُمَّ خَمَّسَ بِذِكْرِ الِاسْتِدْلَالِ بِأَحْوَالِ الْعَنَاصِرِ الْأَرْبَعَةِ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ فَنَقُولُ:
النوع الْأَوَّلُ: مِنَ الدَّلَائِلِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى وجود الإله الحكيم الاستدلال بأحوال السموات وَالْأَرْضِ فَقَالَ:
خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الْأَنْعَامِ: 1] أَنَّ لَفْظَ الْخَلْقِ مِنْ كَمْ وَجْهٍ يَدُلُّ عَلَى الِاحْتِيَاجِ إِلَى الْخَالِقِ الْحَكِيمِ، وَلَا بأس بأن نعيد تلك الوجوه هاهنا فَنَقُولُ: الْخَلْقُ عِبَارَةٌ عَنِ التَّقْدِيرِ بِمِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ، وهذا المعنى حاصل في السموات مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ كُلَّ جِسْمٍ مُتَنَاهٍ فَجِسْمُ السَّمَاءِ مُتَنَاهٍ، وَكُلُّ مَا كَانَ مُتَنَاهِيًا فِي الْحَجْمِ وَالْقَدْرِ، كَانَ اخْتِصَاصُهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ دُونَ الْأَزْيَدِ وَالْأَنْقَصِ أَمْرًا جَائِزًا، وَكُلُّ جَائِزٍ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُقَدِّرٍ وَمُخَصِّصٍ، وَكُلُّ مَا كَانَ مُفْتَقِرًا إِلَى الْغَيْرِ فَهُوَ مُحْدَثٌ. الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ الْحَرَكَةَ الْأَزَلِيَّةَ مُمْتَنِعَةٌ، لِأَنَّ الْحَرَكَةَ تَقْتَضِي الْمَسْبُوقِيَّةَ بِالْغَيْرِ، وَالْأَزَلُ يُنَافِيهِ فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَرَكَةِ وَالْأَزَلِ مُحَالٌ.
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِمَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ الْأَجْرَامَ وَالْأَجْسَامَ كَانَتْ مَعْدُومَةً فِي الْأَزَلِ، ثُمَّ حَدَثَتْ أَوْ يُقَالَ إِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْأَزَلِ إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ سَاكِنَةً ثُمَّ تَحَرَّكَتْ. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلِحَرَكَتِهَا أَوَّلٌ، فَحُدُوثُ الْحَرَكَةِ مِنْ ذَلِكَ الْمَبْدَأِ دُونَ مَا قَبْلَهُ أَوْ مَا بَعْدَهُ خَلْقٌ وَتَقْدِيرٌ، فَوَجَبَ افْتِقَارُهُ إِلَى مُقَدِّرٍ وَخَالِقٍ وَمُخَصِّصٍ لَهُ. الثَّالِثُ: أَنَّ جِسْمَ الْفَلَكِ مُرَكَّبٌ مِنْ أَجْزَاءٍ بَعْضُهَا حَصَلَتْ فِي عُمْقِ جِرْمِ الْفَلَكِ وَبَعْضُهَا فِي سَطْحِهِ، وَالَّذِي حَصَلَ فِي الْعُمْقِ كَانَ يُعْقَلُ حُصُولُهُ فِي السَّطْحِ وَبِالْعَكْسِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَانَ اخْتِصَاصُ كُلِّ جُزْءٍ بِمَوْضِعِهِ الْمُعَيَّنِ أَمْرًا جَائِزًا فَيَفْتَقِرُ إِلَى الْمُخَصِّصِ وَالْمُقَدِّرِ، وَبَقِيَّةُ الْوُجُوهِ مَذْكُورَةٌ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا احْتَجَّ بالخلق والتقدير على حدوث السموات وَالْأَرْضِ قَالَ بَعْدَهُ: تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ وَالْمُرَادُ أن القائلين بقدم السموات وَالْأَرْضِ كَأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا لِلَّهِ شَرِيكًا فِي كَوْنِهِ قَدِيمًا أَزَلِيًّا فَنَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا قَدِيمَ إِلَّا هُوَ، وَبِهَذَا الْبَيَانِ ظَهَرَ أَنَّ الْفَائِدَةَ الْمَطْلُوبَةَ مِنْ قَوْلِهِ: سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس: 18] فِي أَوَّلِ السُّورَةِ غَيْرُ الْفَائِدَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ ذكر هذه الكلمة هاهنا، لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ هُنَاكَ إِبْطَالُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْأَصْنَامَ تَشْفَعُ لِلْكُفَّارِ فِي دَفْعِ الْعِقَابِ عنهم، والمقصود/ هاهنا إبطال قول من يقول: الأجسام قديمة، والسموات وَالْأَرْضُ أَزَلِيَّةٌ، فَنَزَّهَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ عَنْ أَنْ يُشَارِكَهُ غَيْرُهُ فِي الْأَزَلِيَّةِ وَالْقِدَمِ وَاللَّهُ أعلم.

[سورة النحل (16) : آية 4]
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)
[في قوله تعالى خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ] اعْلَمْ أَنَّ أَشْرَفَ الْأَجْسَامِ بَعْدَ الْأَفْلَاكِ وَالْكَوَاكِبِ هُوَ الْإِنْسَانُ، فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الِاسْتِدْلَالَ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ الْحَكِيمِ بِأَجْرَامِ الْأَفْلَاكِ، أَتْبَعَهُ بِذِكْرِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ بِالْإِنْسَانِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِنْسَانَ مُرَكَّبٌ مِنْ بَدَنٍ وَنَفْسٍ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ إِشَارَةٌ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِبَدَنِهِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْحَكِيمِ، وَقَوْلُهُ: فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ إِشَارَةٌ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِأَحْوَالِ نَفْسِهِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْحَكِيمِ.
أَمَّا الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ: فَتَقْرِيرُهُ أَنْ نَقُولَ: لَا شَكَّ أَنَّ النُّطْفَةَ جِسْمٌ مُتَشَابِهُ الْأَجْزَاءِ بِحَسَبِ الْحِسِّ والمشاهدة،
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 19  صفحه : 172
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست