responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 19  صفحه : 143
وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ بِهِ أَنْ يَزْدَادَ عَذَابُهُ وَعِقَابُهُ. الْخَامِسُ: أَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ اللَّهَ أَغْوَاهُ فَقَالَ: رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي وَذَلِكَ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَغْوَاهُ لَا يُقَالُ: هَذَا كَلَامُ إِبْلِيسَ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَأَيْضًا فَهُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ إِبْلِيسَ: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ فَأَضَافَ الْإِغْوَاءَ إِلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّا نَقُولُ.
أَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: فَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ صَادِقًا فِيمَا قَالَ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي: فَهُوَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فالمراد هاهنا مِنْ قَوْلِهِ: لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قوله في تلك الآية: لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا أَنَّهُ بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ إِنَّمَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُزَيِّنَ لَهُمُ الْأَبَاطِيلَ لِأَجْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَغْوَاهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَقَدْ زَالَ التَّنَاقُضُ وَيَتَأَكَّدُ هَذَا بِمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الشَّيَاطِينِ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ: هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا [الْقَصَصِ: 63] .
السُّؤَالُ السَّادِسُ: أَنَّهُ أقل: رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي وَهَذَا اعْتِرَافٌ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَغْوَاهُ فَنَقُولُ: إِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ كَانَ قَدْ عَرَفَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَغْوَاهُ، أَوْ مَا عَرَفَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ عَرَفَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَغْوَاهُ امْتَنَعَ كَوْنُهُ غَاوِيًا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَعْرِفُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَغْوَاهُ إِذَا عَرَفَ أَنَّ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ جَهْلٌ وَبَاطِلٌ، وَمَنْ عَرَفَ ذَلِكَ امْتَنَعَ بَقَاؤُهُ عَلَى الْجَهْلِ وَالضَّلَالَةِ، وَأَمَّا إِنْ قُلْنَا: بِأَنَّهُ مَا عَرَفَ أَنَّ اللَّهَ أَغْوَاهُ فَكَيْفَ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقُولَ: رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي فَهَذَا مَجْمُوعُ السُّؤَالَاتِ الْوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
أَمَّا الْإِشْكَالُ الْأَوَّلُ: فَلِلْمُعْتَزِلَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ:
الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ طَرِيقُ الْجُبَّائِيِّ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَمْهَلَ إِبْلِيسَ تِلْكَ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ، لِأَنَّهُ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ أَحْوَالُ النَّاسِ بِسَبَبِ وَسْوَسَتِهِ، فَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يُوجَدَ إِبْلِيسُ وَلَا وَسْوَسَتُهُ/ فَإِنَّ ذَلِكَ الْكَافِرَ، وَالْعَاصِيَ كَانَ يَأْتِي بِذَلِكَ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ، فَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، لَا جَرَمَ أَمْهَلَهُ هَذِهِ الْمُدَّةَ.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: وَهُوَ طَرِيقُ أَبِي هَاشِمٍ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّ أَقْوَامًا يَقَعُونَ بِسَبَبِ وَسْوَسَتِهِ فِي الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ، إِلَّا أَنَّ وَسْوَسَتَهُ مَا كَانَتْ مُوجِبَةً لِذَلِكَ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ، بَلِ الْكَافِرُ وَالْعَاصِي بِسَبَبِ اخْتِيَارِهِ اخْتَارَ ذَلِكَ الْكُفْرَ وَتِلْكَ الْمَعْصِيَةَ، أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُقَالَ: الِاحْتِرَازُ عَنِ الْقَبَائِحِ حَالَ عَدَمِ الْوَسْوَسَةِ أَسْهَلُ مِنْهُ حَالَ وُجُودِهَا، إِلَّا أَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَصِيرُ وَسْوَسَتُهُ سَبَبًا لِزِيَادَةِ الْمَشَقَّةِ فِي أَدَاءِ الطَّاعَاتِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْحَكِيمَ مِنْ فِعْلِهِ، كَمَا أَنَّ إِنْزَالَ الْمَشَاقِّ وَإِنْزَالَ الْمُتَشَابِهَاتِ صَارَ سَبَبًا لِمَزِيدِ الشُّبُهَاتِ، وَمَعَ ذَلِكَ فلم يمتنع فعله فكذا هاهنا، وَهَذَانَ الطَّرِيقَانِ هُمَا بِعَيْنِهِمَا الْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الثَّانِي.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنَّ إِعْلَامَهُ بِأَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْكُفْرِ يَحْمِلُهُ عَلَى الْجُرْأَةِ عَلَى الْمَعَاصِي وَالْإِكْثَارِ مِنْهَا، فَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَلْزَمُ إِذَا كَانَ عِلْمُ إِبْلِيسَ بِمَوْتِهِ عَلَى الْكُفْرِ يَحْمِلُهُ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْمَعَاصِي أَمَّا إِذَا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ حَالِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ الْبَتَّةَ، فَالسُّؤَالُ زَائِلٌ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ الْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الرَّابِعِ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ الْخَامِسُ: وَهُوَ أَنَّ إِبْلِيسَ صَرَّحَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَغْوَاهُ وَأَضَلَّهُ عَنِ الدِّينِ، فَقَدْ أَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ ذَلِكَ بَلْ فِيهِ وُجُوهٌ أُخْرَى: أَحَدُهَا: الْمُرَادُ بِمَا خَيَّبْتَنِي مِنْ رَحْمَتِكَ لَأُخَيِّبَنَّهُمْ بِالدُّعَاءِ إِلَى معصيتك.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 19  صفحه : 143
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست