responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 19  صفحه : 13
وَاعْلَمْ أَنَّ السَّبَبَ فِيهِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا كَوْنَ الْقُرْآنِ مِنْ جِنْسِ الْمُعْجِزَاتِ وَقَالُوا: هَذَا كِتَابٌ مِثْلُ سَائِرِ الْكُتُبِ وَإِتْيَانُ الْإِنْسَانِ بِتَصْنِيفٍ مُعَيَّنٍ وكتاب معين لا يكون معجزة الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا الْمُعْجِزُ مَا يَكُونُ مِثْلَ مُعْجِزَاتِ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مُعْجِزٌ فِي صِدْقِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سِوَى الْقُرْآنِ.
قَالُوا: / إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ، إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا طَعَنُوا فِي كَوْنِ الْقُرْآنِ مُعْجِزًا، مَعَ أَنَّهُ مَا ظَهَرَ عَلَيْهِ نَوْعٌ آخَرُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ، لِأَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ قَدْ ظَهَرَ عَلَى يَدِهِ نَوْعٌ آخَرُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ لَامْتَنَعَ أَنْ يَقُولُوا: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ لَهُ مُعْجِزٌ سِوَى الْقُرْآنِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْهُ طَلَبُ مُعْجِزَاتٍ سِوَى الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي شَاهَدُوهَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَحَنِينِ الْجِذْعِ وَنُبُوعِ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ وَإِشْبَاعِ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ مِنَ الطَّعَامِ الْقَلِيلِ، فَطَلَبُوا مِنْهُ مُعْجِزَاتٍ قَاهِرَةً غَيْرَ هَذِهِ الْأُمُورِ: مِثْلَ فَلْقِ الْبَحْرِ بِالْعَصَا، وَقَلْبِ الْعَصَا ثُعْبَانًا.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا السَّبَبُ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَهُمْ وَمَا أَعْطَاهُمْ؟
قُلْنَا إِنَّهُ لَمَّا أَظْهَرَ الْمُعْجِزَةَ الْوَاحِدَةَ فَقَدْ تَمَّ الْغَرَضُ فَيَكُونُ طَلَبُ الْبَاقِي تَحَكُّمًا وَظُهُورُ الْقُرْآنِ مُعْجِزَةٌ، فَمَا كَانَ مَعَ ذَلِكَ حَاجَةٌ إِلَى سَائِرِ الْمُعْجِزَاتِ، وَأَيْضًا فَلَعَلَّهُ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّهُمْ يُصِرُّونَ عَلَى الْعِنَادِ بَعْدَ ظُهُورِ تِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ الْمُلْتَمَسَةِ، وَكَانُوا يَصِيرُونَ حِينَئِذٍ مُسْتَوْجِبِينَ لِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مَطْلُوبَهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الْأَنْفَالِ: 23] بَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهِمْ مَطْلُوبَهُمْ لِعِلْمِهِ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَأَيْضًا فَفَتْحُ هَذَا الْبَابِ يُفْضِي إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ. وَهُوَ أَنَّهُ كُلَّمَا أَتَى بِمُعْجِزَةٍ جَاءَ وَاحِدٌ آخَرُ، فَطَلَبَ مِنْهُ مُعْجِزَةً أُخْرَى، وَذَلِكَ يُوجِبُ سُقُوطَ دَعْوَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَأَنَّهُ بَاطِلٌ.
الوجه الثاني: وفي الْجَوَابِ لَعَلَّ الْكُفَّارَ ذَكَرُوا هَذَا الْكَلَامَ قَبْلَ مُشَاهَدَةِ سَائِرِ الْمُعْجِزَاتِ. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنِ الْكُفَّارِ ذَلِكَ قَالَ: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اتَّفَقَ الْقُرَّاءُ عَلَى التَّنْوِينِ فِي قَوْلِهِ: هادٍ وَحَذْفِ الْيَاءِ فِي الْوَصْلِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَقْفِ، فَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ: بِالْوَقْفِ عَلَى الْيَاءِ، وَالْبَاقُونَ: بِغَيْرِ الْيَاءِ، وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ فُلَيْحٍ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ لِلتَّخْفِيفِ.
المسألة الثَّانِيَةُ: فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وُجُوهٌ. الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ أَنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُنْذِرٌ لِقَوْمِهِ مُبَيِّنٌ لَهُمْ، وَلِكُلِّ قَوْمٍ مِنْ قَبْلِهِ هَادٍ وَمُنْذِرٌ وَدَاعٍ، وَأَنَّهُ تَعَالَى سَوَّى بَيْنَ الْكُلِّ فِي إِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لِكُلِّ قَوْمٍ طَرِيقٌ مَخْصُوصٌ لِأَجْلِهِ اسْتَحَقَّ التَّخْصِيصَ بِتِلْكَ الْمُعْجِزَةِ الْمَخْصُوصَةِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ فِي زَمَانِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ السِّحْرَ جَعَلَ مُعْجِزَتَهُ مَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَى طَرِيقَتِهِمْ، وَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ فِي أَيَّامِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الطِّبَّ، جَعَلَ مُعْجِزَتَهُ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ تِلْكَ الطَّرِيقَةِ وَهُوَ إِحْيَاءُ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءُ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ، وَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ فِي أَيَّامِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ الْفَصَاحَةَ وَالْبَلَاغَةَ جَعَلَ مُعْجِزَتَهُ مَا كَانَ لَائِقًا بِذَلِكَ الزَّمَانِ وَهُوَ فَصَاحَةُ الْقُرْآنِ فَلَمَّا كَانَ الْعَرَبُ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذِهِ الْمُعْجِزَةِ مَعَ كَوْنِهَا أَلْيَقَ بِطِبَاعِهِمْ فَبِأَنْ لَا يُؤْمِنُوا عِنْدَ إِظْهَارِ سَائِرِ الْمُعْجِزَاتِ أَوْلَى فَهَذَا هُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ الْقَاضِي وَهُوَ الوجه الصَّحِيحُ الَّذِي يَبْقَى الْكَلَامُ مَعَهُ مُنْتَظِمًا.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 19  صفحه : 13
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست