responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 19  صفحه : 124
وَالتَّغْيِيرُ، إِمَّا فِي الْكَثِيرِ مِنْهُ أَوْ فِي الْقَلِيلِ، وَبَقَاءُ هَذَا الْكِتَابِ مَصُونًا عَنْ جَمِيعِ جِهَاتِ التَّحْرِيفِ مَعَ أَنَّ دَوَاعِيَ الْمُلْحِدَةِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مُتَوَفِّرَةٌ عَلَى إِبْطَالِهِ وَإِفْسَادِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْمُعْجِزَاتِ وَأَيْضًا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ بَقَائِهِ مَحْفُوظًا عَنِ التَّغْيِيرِ وَالتَّحْرِيفِ، وَانْقَضَى الْآنَ قَرِيبًا مِنْ سِتِّمِائَةِ سَنَةٍ فَكَانَ هَذَا إِخْبَارًا عَنِ الْغَيْبِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَيْضًا مُعْجِزًا قَاهِرًا.
المسألة الرَّابِعَةُ: احْتَجَّ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ بَعْضِ الْإِمَامِيَّةِ فِي أَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ دَخَلَهُ التَّغْيِيرُ وَالزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ قَالَ: لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمَا بَقِيَ الْقُرْآنُ مَحْفُوظًا، وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى إِثْبَاتِ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، فَالْإِمَامِيَّةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ دَخَلَهُ التَّغْيِيرُ وَالزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ، لَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ جُمْلَةِ الزَّوَائِدِ الَّتِي أُلْحِقَتْ بِالْقُرْآنِ، فَثَبَتَ أَنَّ إِثْبَاتَ هَذَا الْمَطْلُوبِ بِهَذِهِ الآية يجري مجرى إثبات الشيء نفسه وأنه باطل والله أعلم.

[سورة الحجر (15) : الآيات 10 الى 13]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (11) كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13)
اعْلَمْ أَنَّ القوم لما أساؤوا فِي الْأَدَبِ وَخَاطَبُوهُ بِالسَّفَاهَةِ وَقَالُوا: إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ، فَاللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ/ أَنَّ عَادَةَ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ مَعَ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ هَكَذَا كَانَتْ. وَلَكَ أُسْوَةٌ فِي الصَّبْرِ عَلَى سَفَاهَتِهِمْ وَجَهَالَتِهِمْ بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي نَظْمِ الآية [في قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ] وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي الْآيَةِ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَّا أَنَّهُ حَذَفَ ذِكْرَ الرُّسُلِ لِدَلَالَةِ الْإِرْسَالِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ أَيْ فِي أُمَمِ الْأَوَّلِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الشِّيَعُ الْأَتْبَاعُ وَاحِدُهُمْ شِيعَةٌ وَشِيعَةُ الرَّجُلِ أَتْبَاعُهُ، وَالشِّيعَةُ الْأُمَّةُ سُمُّوا بِذَلِكَ، لِأَنَّ بَعْضَهُمْ شَايَعَ بَعْضًا وَشَاكَلَهُ، وَذَكَرْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا الْحَرْفِ عِنْدَ قَوْلِهِ: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً [الْأَنْعَامِ: 65] قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَوْلُهُ: فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ كَقَوْلِهِ: حَقُّ الْيَقِينِ [الْوَاقِعَةِ: 95] وَقَوْلِهِ: بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ [الْقَصَصِ: 44] وَقَوْلِهِ:
وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [الْبَيِّنَةِ: 5] أما قوله: وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أَيْ عَادَةُ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ مَعَ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ ذَلِكَ الِاسْتِهْزَاءُ بِهِمْ كَمَا فَعَلُوا بِكَ ذَكَرَهُ تَسْلِيَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ السَّبَبَ الَّذِي يَحْمِلُ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالَ عَلَى هَذِهِ الْعَادَةِ الْخَبِيثَةِ أُمُورٌ. الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ يَسْتَثْقِلُونَ الْتِزَامَ الطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَالِاحْتِرَازَ عَنِ الطَّيِّبَاتِ وَاللَّذَّاتِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّسُولَ يَدْعُوهُمْ إِلَى تَرْكِ مَا أَلِفُوهُ مِنْ أَدْيَانِهِمُ الْخَبِيثَةِ وَمَذَاهِبِهِمُ الْبَاطِلَةِ، وَذَلِكَ شَاقٌّ شَدِيدٌ عَلَى الطِّبَاعِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الرَّسُولَ مَتْبُوعٌ مَخْدُومٌ وَالْأَقْوَامَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ وَخِدْمَتُهُ وَذَلِكَ أَيْضًا فِي غَايَةِ الْمَشَقَّةِ. وَالرَّابِعُ: أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ يَكُونُ فَقِيرًا وَلَا يَكُونُ لَهُ أَعْوَانٌ وَأَنْصَارٌ وَلَا مَالَ وَلَا جَاهَ فَالْمُتَنَعِّمُونَ وَالرُّؤَسَاءُ يَثْقُلُ عَلَيْهِمْ خِدْمَةُ مَنْ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَالْخَامِسُ: خِذْلَانُ اللَّهِ لَهُمْ وَإِلْقَاءُ دَوَاعِي الْكُفْرِ وَالْجَهْلِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ الْأَصْلِيُّ، فَلِهَذِهِ الْأَسْبَابِ وَمَا يُشْبِهُهَا تَقَعُ الْجُهَّالُ وَالضُّلَّالُ مَعَ أَكَابِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فِي هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْقَبِيحَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمُنْكَرَةِ.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 19  صفحه : 124
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست