responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 498
لَا بُدَّ وَأَنْ يَرْجِعَ إِلَى اللَّه تَعَالَى، فَيَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ يُوسُفَ بَقِيَ حَيًّا أَمْ صَارَ مَيِّتًا، فَكَانَ مُتَوَقِّفًا فِيهِ وَبِسَبَبِ تَوَقُّفِهِ كَانَ يُكْثِرُ الرُّجُوعَ إِلَى اللَّه تَعَالَى وَيَنْقَطِعُ قَلْبُهُ عَنِ الِالْتِفَاتِ عَنْ كُلِّ مَا سِوَى اللَّه تَعَالَى إِلَّا في هذه الواقعة، وكانت أَحْوَالُهُ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ مُخْتَلِفَةً، فَرُبَّمَا صَارَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مُسْتَغْرِقَ الْهَمِّ بِذِكْرِ اللَّه تعالى، فإن عَنْ تَذَكُّرِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ، فَكَانَ ذِكْرُهَا كَلَا سِوَاهَا، / فَلِهَذَا السَّبَبِ صَارَتْ هَذَا الْوَاقِعَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، جَارِيَةً مَجْرَى الْإِلْقَاءِ فِي النَّارِ لِلْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَجْرَى الذَّبْحِ لِابْنِهِ الذَّبِيحِ.
فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّ الْأَوْلَى عِنْدَ نُزُولِ الْمُصِيبَةِ الشَّدِيدَةِ أَنْ يَقُولَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ [البقرة:
156] حَتَّى يَسْتَوْجِبَ الثَّوَابَ الْعَظِيمَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلُهُ: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [الْبَقَرَةِ: 157] .
قُلْنَا: قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّهُ لَمْ يُعْطِ الِاسْتِرْجَاعَ أُمَّةً إِلَّا هَذِهِ الْأُمَّةَ فَأَكْرَمَهُمُ اللَّه تَعَالَى إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ وَهَذَا عِنْدِي ضَعِيفٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّا لِلَّهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّا مَمْلُوكُونَ للَّه وَهُوَ الَّذِي خَلَقَنَا وَأَوْجَدَنَا، وَقَوْلَهُ: وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْحَشْرِ وَالْقِيَامَةِ، وَمِنَ الْمُحَالِ أَنَّ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ فَمَنْ عَرَفَ عِنْدَ نُزُولِ بَعْضِ الْمَصَائِبِ بِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْعَاقِبَةِ مِنْ رُجُوعِهِ إِلَى اللَّه تَعَالَى، فَهُنَاكَ تَحْصُلُ السَّلْوَةُ التَّامَّةُ عِنْدَ تِلْكَ الْمُصِيبَةِ، وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ باللَّه غَيْرَ عَارِفٍ بِذَلِكَ.
المسألة الثالثة: قوله: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ نِدَاءُ الْأَسَفِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ: «يَا عَجَبًا» وَالتَّقْدِيرُ كَأَنَّهُ يُنَادِي الْأَسَفَ وَيَقُولُ: هَذَا وَقْتُ حُصُولِكَ وَأَوَانُ مَجِيئِكَ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ:
حاشَ لِلَّهِ [يُوسُفَ: 31] وَالْأَسَفُ الْحُزْنُ عَلَى مَا فَاتَ. قَالَ اللَّيْثُ: إِذَا جَاءَكَ أَمْرٌ فَحَزِنْتَ لَهُ وَلَمْ تُطِقْهُ فَأَنْتَ أَسِيفٌ أَيْ حزني وَمُتَأَسِّفٌ أَيْضًا. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْأَصْلُ يَا أَسَفى إِلَّا أَنَّ يَاءَ الْإِضَافَةِ يَجُوزُ إِبْدَالُهَا بِالْأَلِفِ لِخِفَّةِ الْأَلِفِ وَالْفَتْحَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ وَفِيهِ وَجْهَانِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَمَّا قَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ، وَعِنْدَ غَلَبَةِ الْبُكَاءِ يَكْثُرُ الْمَاءُ فِي الْعَيْنِ فَتَصِيرُ الْعَيْنُ كَأَنَّهَا ابْيَضَّتْ مِنْ بَيَاضِ ذَلِكَ الْمَاءِ وَقَوْلُهُ: وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ كِنَايَةٌ عَنْ غَلَبَةِ الْبُكَاءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ تَأْثِيرَ الْحُزْنِ فِي غَلَبَةِ الْبُكَاءِ لَا فِي حُصُولِ الْعَمَى فَلَوْ حَمَلْنَا الِابْيِضَاضَ عَلَى غَلَبَةِ الْبُكَاءِ كَانَ هَذَا التَّعْلِيلُ حَسَنًا وَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْعَمَى لَمْ يَحْسُنْ هَذَا التَّعْلِيلُ، فَكَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى وهذا للتفسير مَعَ الدَّلِيلِ رَوَاهُ الْوَاحِدِيُّ فِي «الْبَسِيطِ» عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْعَمَى قَالَ مُقَاتِلٌ: لَمْ يُبْصِرْ بِهِمَا سِتَّ سِنِينَ حَتَّى كَشَفَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ بِقَمِيصِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً [يُوسُفَ: 93]
قِيلَ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَخَلَ عَلَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَمَا كَانَ فِي السِّجْنِ فَقَالَ إِنَّ بَصَرَ أَبِيكَ ذَهَبَ مِنَ/ الْحُزْنِ عَلَيْكَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ: لَيْتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي وَلَمْ أَكُ حُزْنًا عَلَى أَبِي،
وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ قَالُوا: الْحُزْنُ الدَّائِمُ يُوجِبُ الْبُكَاءَ الدَّائِمَ وَهُوَ يُوجِبُ الْعَمَى، فَالْحُزْنُ كَانَ سَبَبًا لِلْعَمَى بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْبُكَاءُ الدَّائِمُ يُوجِبُ الْعَمَى، لِأَنَّهُ يُورِثُ كُدُورَةً فِي سَوْدَاءِ الْعَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَا عَمِيَ لَكِنَّهُ صَارَ بِحَيْثُ يُدْرِكُ إِدْرَاكًا ضَعِيفًا.
قِيلَ: مَا جَفَّتْ عَيْنَا يَعْقُوبَ مِنْ وَقْتِ فِرَاقِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى حِينِ لِقَائِهِ، وَتِلْكَ الْمُدَّةُ ثَمَانُونَ عَامًا، وَمَا
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 498
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست