responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 359
هَذَا الْعِتَابُ وَالْأَمْرُ بِالِاسْتِغْفَارِ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى سَابِقَةِ الذَّنْبِ كَمَا قَالَ: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ [النَّصْرِ: 1- 3] وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَجِيءَ نَصْرِ اللَّه وَالْفَتْحِ وَدُخُولَ النَّاسِ فِي دِينِ اللَّه أَفْوَاجًا لَيْسَتْ بِذَنْبٍ يُوجِبُ الِاسْتِغْفَارَ وَقَالَ تَعَالَى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [مُحَمَّدٍ: 19] وَلَيْسَ جَمِيعُهُمْ مُذْنِبِينَ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ قَدْ يَكُونُ بِسَبَبِ تَرْكِ لأفضل.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَرَأَ نَافِعٌ بِرِوَايَةِ وَرْشٍ وَإِسْمَاعِيلَ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَإِثْبَاتِ الْيَاءِ تَسْأَلَنِّي وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَنَافِعٌ بِرِوَايَةِ قَالُونَ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَكَسْرِهَا مِنْ غَيْرِ إِثْبَاتِ الْيَاءِ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو بِتَخْفِيفِ/ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَحَذْفِ الْيَاءِ تَسْأَلْنِ أَمَّا التَّشْدِيدُ فَلِلتَّأْكِيدِ وَأَمَّا إِثْبَاتُ الْيَاءِ فَعَلَى الْأَصْلِ، وَأَمَّا تَرْكُ التَّشْدِيدِ وَالْحَذْفُ فَلِلتَّخْفِيفِ مِنْ غَيْرِ إخلال.
[في قوله تعالى رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ] وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ السؤال حكى عنه أَنَّهُ قَالَ: رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تعالى لما قال له: فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ قَبِلْتُ يَا رَبِّ هَذَا التَّكْلِيفَ، وَلَا أعوذ إِلَيْهِ إِلَّا أَنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى الِاحْتِرَازِ مِنْهُ إِلَّا بِإِعَانَتِكَ وَهِدَايَتِكَ، فَلِهَذَا بَدَأَ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: إِنِّي أَعُوذُ بِكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ إِخْبَارٌ عَمَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، أَيْ لَا أَعُودُ إِلَى هَذَا الْعَمَلِ، ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالِاعْتِذَارِ عَمَّا مَضَى، فَقَالَ: وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ وَحَقِيقَةُ التَّوْبَةِ تَقْتَضِي أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ الْعَزْمُ عَلَى التَّرْكِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَالثَّانِي: فِي الْمَاضِي وَهُوَ النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ وَنَخْتِمُ هَذَا الْكَلَامَ بِالْبَحْثِ عَنِ الزَّلَّةِ الَّتِي صَدَرَتْ عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ.
فَنَقُولُ: إِنَّ أُمَّةَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانُوا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ كَافِرٌ يَظْهَرُ كُفْرُهُ وَمُؤْمِنٌ يُعْلَمُ إِيمَانُهُ وَجَمْعٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَقَدْ كَانَ حُكْمُ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ النَّجَاةُ وَحُكْمُ الْكَافِرِينَ هُوَ الْغَرَقُ، وَكَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا، وَأَمَّا أَهْلُ النِّفَاقِ فَبَقِيَ حُكْمُهُمْ مَخْفِيًّا وَكَانَ ابْنُ نُوحٍ مِنْهُمْ وَكَانَ يَجُوزُ فِيهِ كَوْنُهُ مُؤْمِنًا، وَكَانَتِ الشَّفَقَةُ الْمُفْرِطَةُ الَّتِي تَكُونُ مِنَ الْأَبِ فِي حَقِّ الِابْنِ تَحْمِلُهُ عَلَى حَمْلِ أَعْمَالِهِ وَأَفْعَالِهِ لَا عَلَى كَوْنِهِ كَافِرًا، بَلْ عَلَى الْوُجُوهِ الصَّحِيحَةِ، فَلَمَّا رَآهُ بِمَعْزِلٍ عَنِ الْقَوْمِ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَدْخُلَ السَّفِينَةَ فَقَالَ: سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ ظَنَّ أَنَّ الصُّعُودَ عَلَى الْجَبَلِ يَجْرِي مَجْرَى الرُّكُوبِ فِي السَّفِينَةِ فِي أَنَّهُ يَصُونُهُ عَنِ الْغَرَقِ، وَقَوْلُ نُوحٍ:
لَا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُقَرِّرُ عِنْدَ ابْنِهِ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ إِلَّا الْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَهَذَا أَيْضًا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ مِنَ ابْنِهِ أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا فَعِنْدَ هَذِهِ الْحَالَةِ كَانَ قَدْ بَقِيَ فِي قَلْبِهِ ظَنُّ أَنَّ ذَلِكَ الِابْنَ مُؤْمِنٌ، فَطَلَبَ مِنَ اللَّه تَعَالَى تَخْلِيصَهُ بِطَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ إِمَّا بِأَنْ يُمَكِّنَهُ مِنَ الدُّخُولِ فِي السَّفِينَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَحْفَظَهُ عَلَى قُلَّةِ جَبَلٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخْبَرَهُ اللَّه تَعَالَى بِأَنَّهُ مُنَافِقٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ، فَالزَّلَّةُ الصَّادِرَةُ عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَقْصِ فِي تَعْرِيفِ مَا يَدُلُّ عَلَى نِفَاقِهِ وَكُفْرِهِ، بَلِ اجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ وَكَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، مَعَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي ذَلِكَ الِاجْتِهَادِ، لِأَنَّهُ كَانَ كَافِرًا فَلَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ إِلَّا الْخَطَأُ فِي هَذَا الِاجْتِهَادِ، كَمَا قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي أَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ تَصْدُرْ عَنْهُ تِلْكَ الزَّلَّةُ إِلَّا لِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِي هَذَا الِاجْتِهَادِ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّادِرَ عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا كَانَ مِنْ بَابِ الْكَبَائِرِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ باب الخطأ في الاجتهاد، واللَّه أعلم.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 18  صفحه : 359
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست