responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 343
هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ الْفُقَهَاءُ: إِنَّ الشَّرْطَ الْمُؤَخَّرَ فِي اللَّفْظِ مُقَدَّمٌ فِي الْمَعْنَى، وَالْمُقَدَّمَ فِي اللَّفْظِ مُؤَخَّرٌ فِي الْمَعْنَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا قَرَّرَ هَذِهِ الْمَعَانِيَ قَالَ: هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَهَذَا نِهَايَةُ الْوَعِيدِ أَيْ هُوَ إِلَهُكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَبَّاكُمْ وَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي ذَوَاتِكُمْ وَفِي صِفَاتِكُمْ قَبْلَ الْمَوْتِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ مَرْجِعُكُمْ إِلَيْهِ وَهَذَا يُفِيدُ نهاية التحذير.

[سورة هود (11) : آية 35]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)
اعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى افْتَرَاهُ اخْتَلَقَهُ وَافْتَعَلَهُ وَجَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، وَالْهَاءُ تَرْجِعُ إِلَى الْوَحْيِ الَّذِي بَلَّغَهُ إِلَيْهِمْ، وَقَوْلُهُ: فَعَلَيَّ إِجْرامِي الْإِجْرَامُ اقْتِرَاحُ الْمَحْظُورَاتِ وَاكْتِسَابُهَا، وَهَذَا مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى:
فَعَلَيَّ عِقَابُ إِجْرَامِي، وَفِي الْآيَةِ مَحْذُوفٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى: إِنْ كُنْتُ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ عِقَابُ جُرْمِي، وَإِنْ كُنْتُ صَادِقًا وَكَذَّبْتُمُونِي فَعَلَيْكُمْ عِقَابُ ذَلِكَ التَّكْذِيبِ، إِلَّا أَنَّهُ حَذَفَ هَذِهِ الْبَقِيَّةَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ [الزُّمَرِ: 9] وَلَمْ يَذْكُرِ الْبَقِيَّةَ، وَقَوْلُهُ: وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ أَيْ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ عِقَابِ جُرْمِكُمْ، وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهَذِهِ الْآيَةُ وَقَعَتْ فِي قِصَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثْنَاءِ حِكَايَةِ نُوحٍ، وَقَوْلُهُمْ بَعِيدٌ جِدًّا، وَأَيْضًا قَوْلُهُ: قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ شَاكًّا، إِلَّا أَنَّهُ قَوْلٌ يُقَالُ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنَ القبول.

[سورة هود (11) : آية 36]
وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (36)
فِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: لَمَّا جَاءَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّه تَعَالَى دَعَا عَلَى قَوْمِهِ فَقَالَ:
رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نُوحٍ: 26] وَقَوْلُهُ: فَلا تَبْتَئِسْ أَيْ لَا تَحْزَنْ، قَالَ أَبُو زَيْدٍ:
ابْتَأَسَ الرَّجُلُ إِذَا بَلَغَهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ، وَأَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدَةَ:
مَا يَقْسِمُ اللَّه أَقْبَلْ غَيْرَ مُبْتَئِسٍ ... بِهِ وَأَقْعُدْ كَرِيمًا نَاعِمَ الْبَالِ
أَيْ غَيْرَ حَزِينٍ وَلَا كَارِهٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ فِي الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ وَقَالُوا: إِنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ قَوْمِهِ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَوْ حَصَلَ إِيمَانُهُمْ لَكَانَ إِمَّا مَعَ بَقَاءِ هَذَا الْخَبَرِ صِدْقًا، وَمَعَ بَقَاءِ هَذَا الْعِلْمِ عِلْمًا أَوْ مَعَ انْقِلَابِ هَذَا الْخَبَرِ كَذِبًا وَمَعَ انْقِلَابِ هَذَا الْعَلَمِ جَهْلًا وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ لِأَنَّ وُجُودَ الْإِيمَانِ مَعَ أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ عَنْ عَدَمِ الْإِيمَانِ صِدْقًا، وَمَعَ كَوْنِ الْعِلْمِ بِعَدَمِ الْإِيمَانِ حَاصِلًا حَالَ وُجُودِ الْإِيمَانِ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَالثَّانِي أَيْضًا بَاطِلٌ، لِأَنَّ انْقِلَابَ خَبَرِ اللَّه كَذِبًا وَعِلْمِ اللَّه جَهْلًا مُحَالٌ، وَلَمَّا كَانَ صُدُورُ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ وَثَبَتَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَالٌ كَانَ صُدُورُ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ مُحَالًا مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِهِ، وَأَيْضًا الْقَوْمُ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِالْإِيمَانِ وَمِنَ الْإِيمَانِ تَصْدِيقُ اللَّه تَعَالَى فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَيَلْزَمُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِأَنْ يُؤْمِنُوا بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ الْبَتَّةَ.
وَذَلِكَ تَكْلِيفُ الْجَمْعِ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَتَقْرِيرُ هَذَا الْكَلَامِ قَدْ مَرَّ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِرَارًا وَأَطْوَارًا.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 343
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست