responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 341
حَتَّى عَاتَبَهُ اللَّه تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الْأَنْعَامِ: 52] وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إِقْدَامِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الذَّنْبِ.
وَالْجَوَابُ: يُحْمَلُ الطَّرْدُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الطَّرْدِ الْمُطْلَقِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ، وَالطَّرْدُ الْمَذْكُورُ فِي وَاقِعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى التَّقْلِيلِ فِي أَوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ لِرِعَايَةِ الْمَصَالِحِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: احْتَجَّ الْجُبَّائِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَ اللَّه فِي دَفْعِ الْعِقَابِ بِقَوْلِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ هَذَا الطَّرْدُ مُحَرَّمًا فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّه، أَيْ مَنِ الَّذِي يُخَلِّصُنِي مِنْ عِقَابِهِ وَلَوْ كَانَتِ الشَّفَاعَةُ جَائِزَةً لَكَانَتْ فِي حَقِّ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيْضًا جَائِزَةً وَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ قَوْلُهُ:
مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ يُشْبِهُ اسْتِدْلَالَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً إِلَى قَوْلِهِ: وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [الْبَقَرَةِ: 48، 123] وَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ هُنَاكَ هُوَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ.

[سورة هود (11) : الآيات 32 الى 34]
قالُوا يَا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34)
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا أَوْرَدُوا تِلْكَ الشُّبْهَةَ.
وَأَجَابَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْهَا بِالْجَوَابَاتِ الْمُوَافِقَةِ الصَّحِيحَةِ أَوْرَدَ الْكُفَّارُ عَلَى نُوحٍ كَلَامَيْنِ، الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ وَصَفُوهُ بِكَثْرَةِ الْمُجَادَلَةِ فَقَالُوا: يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ قَدْ أَكْثَرَ فِي الْجِدَالِ مَعَهُمْ، وَذَلِكَ الْجِدَالُ مَا كَانَ إِلَّا فِي إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِدَالَ فِي تَقْرِيرِ الدَّلَائِلِ وَفِي إِزَالَةِ الشُّبُهَاتِ حِرْفَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَعَلَى أَنَّ التَّقْلِيدَ وَالْجَهْلَ وَالْإِصْرَارَ عَلَى الْبَاطِلِ حِرْفَةُ الْكُفَّارِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُمُ اسْتَعْجَلُوا الْعَذَابَ الَّذِي كَانَ يَتَوَعَّدُهُمْ بِهِ، فَقَالُوا: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَجَابَ عَنْهُ بِجَوَابٍ صَحِيحٍ فَقَالَ: إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ وَالْمَعْنَى أَنَّ إِنْزَالَ الْعَذَابِ لَيْسَ إِلَيَّ وَإِنَّمَا هُوَ خَلْقُ اللَّه تَعَالَى فَيَفْعَلُهُ إِنْ شَاءَ كَمَا شَاءَ، وَإِذَا أَرَادَ إِنْزَالَ الْعَذَابِ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُعْجِزُهُ، أَيْ لَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ، وَالْمُعْجِزُ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ مَا عِنْدَهُ لِتَعَذُّرِ مُرَادِ الْغَيْرِ فَيُوَصَفُ بِأَنَّهُ أَعْجَزَهُ، فَقَوْلُهُ: وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ أَيْ لَا سَبِيلَ لَكُمْ إِلَى فِعْلِ مَا عِنْدَهُ، فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى اللَّه تَعَالَى مَا يَشَاءُ مِنَ الْعَذَابِ إِنْ أَرَادَ إِنْزَالَهُ بِكُمْ، وَقَدْ قِيلَ مَعْنَاهُ: وَمَا أَنْتُمْ بِمَانِعِينَ، وَقِيلَ: وَمَا أَنْتُمْ بِمَصُونِينَ، وَقِيلَ: وَمَا أَنْتُمْ بِسَابِقِينَ إِلَى الْخَلَاصِ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَةٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَجَابَ عَنْ شُبُهَاتِهِمْ خَتَمَ الْكَلَامَ بِخَاتِمَةٍ قَاطِعَةٍ، فَقَالَ: وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ أَيْ إِنْ كَانَ اللَّه يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي الْبَتَّةَ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ يُرِيدُ الْكُفْرَ مِنَ الْعَبْدِ، وَأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ مِنْهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ صُدُورُ الْإِيمَانِ مِنْهُ،
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 341
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست