responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 319
إِنْسَانًا لَا يَأْكُلُ مِنَ الْحَلَالِ طُولَ عُمُرِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْحَرَامُ رِزْقًا لَكَانَ اللَّه تَعَالَى مَا أَوْصَلَ رِزْقَهُ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ تَعَالَى قَدْ أَخَلَّ بِالْوَاجِبِ وَذَلِكَ مُحَالٌ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْحَرَامَ قَدْ يَكُونُ رِزْقًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها فَالْمُسْتَقَرُّ هُوَ مَكَانُهُ مِنَ الْأَرْضِ وَالْمُسْتَوْدَعُ حَيْثُ كَانَ مُودَعًا قَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ فِي صُلْبٍ أَوْ رَحِمٍ أَوْ بَيْضَةٍ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مُسْتَقَرُّهَا حَيْثُ تَأْوِي إِلَيْهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَمُسْتَوْدَعُهَا مَوْضِعُهَا الَّذِي تَمُوتُ فِيهِ، وَقَدْ مَضَى اسْتِقْصَاءُ تَفْسِيرِ الْمُسْتَقَرِّ وَالْمُسْتَوْدَعِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، ثُمَّ قَالَ: كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ فِي عِلْمِ اللَّه تَعَالَى، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ [الأنعام: 59] .

[سورة هود (11) : آية 7]
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَثْبَتَ بِالدَّلِيلِ الْمُتَقَدِّمِ كَوْنَهُ عَالِمًا بِالْمَعْلُومَاتِ، أَثْبَتَ بِهَذَا الدَّلِيلِ كَوْنَهُ تَعَالَى قَادِرًا عَلَى كُلِّ الْمَقْدُورَاتِ وَفِي الْحَقِيقَةِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الدَّلِيلَيْنِ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ عِلْمِ اللَّه وَعَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ قَدْ مَضَى تَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ يُونُسَ عَلَى سبيل الاستقصاء. بقي هاهنا أَنْ نَذْكُرَ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ قَالَ كَعْبٌ خَلَقَ اللَّه تَعَالَى يَاقُوتَةً خَضْرَاءَ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهَا بِالْهَيْبَةِ فَصَارَتْ مَاءً يَرْتَعِدُ، ثُمَّ خَلَقَ الرِّيحَ فَجَعَلَ الْمَاءَ عَلَى مَتْنِهَا ثُمَّ وَضَعَ الْعَرْشَ عَلَى الْمَاءِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ: مَعْنَى قَوْلِهِ: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ كَقَوْلِهِمْ: السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ كَوْنِ أَحَدِهِمَا مُلْتَصِقًا بِالْآخَرِ وَكَيْفَ كَانَتِ الْوَاقِعَةُ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَرْشَ وَالْمَاءَ كانا قبل السموات وَالْأَرْضِ، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُودِ الْمَلَائِكَةِ قَبْلَ خَلْقِهِمَا، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أن يخلق ذلك ولا أحد ينتفع بالعرض وَالْمَاءِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَهُمَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ خَلَقَهُمَا لِمَنْفَعَةٍ أَوْ لَا لِمَنْفَعَةٍ وَالثَّانِي عَبَثٌ، فَبَقِيَ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّهُ خَلَقَهُمَا لِمَنْفَعَةٍ، وَتِلْكَ الْمَنْفَعَةَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَائِدَةً إِلَى اللَّه وَهُوَ مُحَالٌ لِكَوْنِهِ مُتَعَالِيًا عَنِ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ أَوْ إِلَى الْغَيْرِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْغَيْرُ حَيًّا، لِأَنَّ غَيْرَ الْحَيِّ لَا يَنْتَفِعُ. وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ قَالَ ذَلِكَ الْحَيُّ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَلَائِكَةِ، وَأَمَّا أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ فَقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ أي بناؤه السموات كَانَ عَلَى الْمَاءِ، وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ يُونُسَ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ تَعَالَى إِذَا بنى السموات عَلَى الْمَاءِ كَانَتْ أَبْدَعَ وَأَعْجَبَ، فَإِنَّ الْبِنَاءَ الضَّعِيفَ إِذَا لَمْ يُؤَسَّسْ عَلَى أَرْضٍ صُلْبَةٍ لَمْ يَثْبُتْ، فَكَيْفَ بِهَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ إِذَا بسط على الماء؟ وهاهنا سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: مَا الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ أَنَّ عَرْشَهُ كَانَ عَلَى الْمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ السموات وَالْأَرْضِ؟
وَالْجَوَابُ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ من وجوه: الأول: أن العرش كونه مع أعظم من السموات وَالْأَرْضِ كَانَ عَلَى الْمَاءِ فَلَوْلَا أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إِمْسَاكِ الثَّقِيلِ بِغَيْرِ عَمَدٍ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى أَمْسَكَ الْمَاءَ لَا عَلَى قَرَارٍ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ أَقْسَامُ الْعَالَمِ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 319
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست