responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 267
لِكَوْنِهِمْ مُسْتَغْرِقِينَ فِي نَوْمِ الْجَهْلِ وَرَقْدَةِ الْغَفْلَةِ يَظُنُّونَ صِحَّةَ تِلْكَ الْإِضَافَاتِ فَالْحَقُّ نَادَى هَؤُلَاءِ النَّائِمِينَ الْغَافِلِينَ بِقَوْلِهِ: أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ/ لَمَّا ثَبَتَ بِالْعَقْلِ أَنَّ مَا سِوَى الْوَاحِدِ الْأَحَدِ الْحَقُّ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ، وَثَبَتَ أَنَّ الْمُمْكِنَ مُسْتَنِدٌ إِلَى الْوَاجِبِ لِذَاتِهِ إِمَّا ابْتِدَاءً أَوْ بِوَاسِطَةٍ، فَثَبَتَ أَنَّ مَا سِوَاهُ مُلْكُهُ وَمِلْكُهُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ فِي الْحَقِيقَةِ مُلْكٌ، فَلَمَّا كَانَ أَكْثَرُ الْخَلْقِ غَافِلِينَ عَنْ مَعْرِفَةِ هَذَا الْمَعْنَى غَيْرَ عَالِمِينَ بِهِ، لَا جَرَمَ أَمَرَ اللَّه رَسُولَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا النِّدَاءَ، لَعَلَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ يَسْتَيْقِظُ مِنْ نوم الجهالة ورقدة الضلالة.

[سورة يونس (10) : الآيات 57 الى 58]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)
فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ الطَّرِيقَ إِلَى إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَمْرَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْ نَقُولَ إِنَّ هَذَا الشَّخْصَ قَدِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ وَظَهَرَتِ الْمُعْجِزَةُ عَلَى يَدِهِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَهُوَ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّه حَقًّا وَصِدْقًا، وَهَذَا الطَّرِيقُ مِمَّا قَدْ ذَكَرَهُ اللَّه تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَقَرَّرَهُ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ فِي قَوْلِهِ: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [يُونُسَ: 37، 38] وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا يُقَوِّي الدِّينَ وَيُورِثُ الْيَقِينَ وَيُزِيلُ الشُّكُوكَ وَالشُّبُهَاتِ وَيُبْطِلُ الْجَهَالَاتِ وَالضَّلَالَاتِ.
وَأَمَّا الطَّرِيقُ الثَّانِي فَهُوَ أَنْ نَعْلَمَ بِعُقُولِنَا أَنَّ الِاعْتِقَادَ الْحَقَّ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ مَا هُوَ؟ فَكُلُّ مَنْ جَاءَ وَدَعَا الْخَلْقَ إِلَيْهِمْ وَحَمَلَهُمْ عَلَيْهِ وَكَانَتْ لِنَفْسِهِ قُوَّةٌ قَوِيَّةٌ فِي نَقْلِ النَّاسِ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَمِنَ الِاعْتِقَادِ الْبَاطِلِ إِلَى الِاعْتِقَادِ الْحَقِّ، وَمِنَ الْأَعْمَالِ الدَّاعِيَةِ إِلَى الدُّنْيَا إِلَى الْأَعْمَالِ الدَّاعِيَةِ إِلَى الْآخِرَةِ فَهُوَ النَّبِيُّ الْحَقُّ الصَّادِقُ الْمُصَدَّقُ، وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّ نُفُوسَ الْخَلْقِ قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا أَنْوَاعُ النَّقْصِ وَالْجَهْلِ وَحُبِّ الدُّنْيَا، وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِعُقُولِنَا أَنَّ سَعَادَةَ الْإِنْسَانِ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالِاعْتِقَادِ الْحَقِّ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا قَوَّى نُفْرَتَكَ عَنِ الدُّنْيَا وَرَغْبَتَكَ فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ/ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَكُلُّ مَا كَانَ بِالضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ الْعَمَلُ الْبَاطِلُ وَالْمَعْصِيَةُ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى إِنْسَانٍ كَامِلٍ، قَوِيِّ النَّفْسِ، مُشْرِقِ الرُّوحِ، عُلْوِيِّ الطَّبِيعَةِ، وَيَكُونُ بِحَيْثُ يَقْوَى عَلَى نَقْلِ هَؤُلَاءِ النَّاقِصِينَ مِنْ مُقَامِ النُّقْصَانِ إِلَى مُقَامِ الْكَمَالِ، وَذَلِكَ هُوَ النَّبِيُّ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّاسَ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ: النَّاقِصُونَ وَالْكَامِلُونَ الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى تَكْمِيلِ النَّاقِصِينَ، وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ هُوَ الْكَامِلُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى تَكْمِيلِ النَّاقِصِينَ، فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ هُوَ عَامَّةُ الْخَلْقِ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي هُمُ الْأَوْلِيَاءُ، وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ، وَلَمَّا كَانَتِ الْقُدْرَةُ عَلَى نَقْلِ النَّاقِصِينَ مِنْ دَرَجَةِ النُّقْصَانِ إِلَى دَرَجَةِ الْكَمَالِ مَرَاتِبُهَا مُخْتَلِفَةً وَدَرَجَاتُهَا مُتَفَاوِتَةً، لَا جَرَمَ كَانَتْ دَرَجَاتُ الْأَنْبِيَاءِ فِي قُوَّةِ النُّبُوَّةِ مُخْتَلِفَةً وَلِهَذَا السِّرِّ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُلَمَاءُ أُمَّتِي كَأَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ» .
إِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ فَنَقُولُ: إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ صِحَّةِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَرِيقِ الْمُعْجِزَةِ، فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَّنَ صِحَّةَ نُبُوَّتِهِ بِالطَّرِيقِ الثَّانِي، وَهَذَا الطَّرِيقُ طَرِيقٌ كَاشِفٌ عَنْ حَقِيقَةِ النُّبُوَّةِ مُعَرِّفٌ لِمَاهِيَّتِهَا، فَالِاسْتِدْلَالُ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 17  صفحه : 267
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست