responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 90
ثُمَّ بَلَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا مُحَمَّدٌ أُذُنٌ وَلَوْ لَقِيتَهُ وَحَلَفْتَ لَهُ لَيُصَدِّقَنَّكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى وَفْقِ قَوْلِهِ. فَقَالَ الْقَائِلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُسْلِمْ قَطُّ قَبْلَ الْيَوْمِ، وَإِنَّ هَذَا الْغُلَامَ لَعَظِيمُ الثَّمَنِ عَلَيَّ وَاللَّهِ لَأَشْكُرَنَّهُ ثُمَّ قَالَ الْأَصَمُّ: أَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمُنَافِقِينَ وُجُوهَ كُفْرِهِمُ الَّتِي كَانُوا يُسِرُّونَهَا لِتَكُونَ حُجَّةً لِلرَّسُولِ وَلِيَنْزَجِرُوا. فَقَالَ:
وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ.
ثُمَّ قَالَ: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ثُمَّ قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنِ الْغُيُوبِ، وَفِي كُلِّ ذَلِكَ دَلَائِلُ عَلَى كَوْنِهِ نَبِيًّا حَقًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى أَنَّ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مَنْ يُؤْذِي النَّبِيَّ، ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ الْإِيذَاءَ بِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ إِنَّهُ أُذُنٌ، وَغَرَضُهُمْ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَكَاءٌ وَلَا بُعْدُ غَوْرٍ، بَلْ هُوَ سَلِيمُ الْقَلْبِ سَرِيعُ الِاغْتِرَارِ بِكُلِّ مَا يَسْمَعُ، فَلِهَذَا السَّبَبِ سَمَّوْهُ بِأَنَّهُ أُذُنٌ، كَمَا أَنَّ الْجَاسُوسَ يُسَمَّى بِالْعَيْنِ يُقَالُ: جَعَلَ فُلَانٌ عَلَيْنَا عَيْنًا، أَيْ جَاسُوسًا مُتَفَحِّصًا عَنِ الْأُمُورِ، فكذا هاهنا.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ وَالتَّقْدِيرُ: هَبْ أَنَّهُ أُذُنٌ لكنه خير لكم وقوله: أُذُنُ خَيْرٍ مثل ما يُقَالُ فُلَانٌ رَجُلُ صِدْقٍ وَشَاهِدُ عَدْلٍ، ثُمَّ بَيَّنَ كَوْنَهُ أُذُنُ خَيْرٍ بِقَوْلِهِ: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ جَعَلَ تَعَالَى هَذِهِ الثَّلَاثَةَ كَالْمُوجِبَةِ لِكَوْنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أُذُنُ خَيْرٍ فَلْنُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ اقْتِضَاءِ هَذِهِ الْمَعَانِي لِتِلْكَ الْخَيْرِيَّةِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُهُ: يُؤْمِنُ بِاللَّهِ فَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ خَائِفًا مِنَ اللَّهِ، وَالْخَائِفُ مِنَ اللَّهِ لَا يُقْدِمُ عَلَى الْإِيذَاءِ بِالْبَاطِلِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ: وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُسَلِّمُ لِلْمُؤْمِنِينَ قَوْلَهُمْ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ إِذَا تَوَافَقُوا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، سَلَّمَ لَهُمْ ذَلِكَ الْقَوْلَ، وَهَذَا يُنَافِي كَوْنَهُ سَلِيمَ الْقَلْبِ سَرِيعَ الِاغْتِرَارِ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ عَدَّى الْإِيمَانَ إِلَى اللَّهِ بِالْبَاءِ وَإِلَى الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّامِ؟
قُلْنَا: لِأَنَّ الْإِيمَانَ الْمُعَدَّى إِلَى اللَّهِ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّصْدِيقُ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ الْكُفْرِ، فَعَدَّى بِالْبَاءِ، وَالْإِيمَانُ الْمُعَدَّى إِلَى الْمُؤْمِنِينَ مَعْنَاهُ الِاسْتِمَاعُ مِنْهُمْ وَالتَّسْلِيمُ لِقَوْلِهِمْ فَيَتَعَدَّى بِاللَّامِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا [يوسف: 17] وقوله: فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ [يونس: 83] وقوله: أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ [الشُّعَرَاءِ: 111] وَقَوْلِهِ: آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ [الشعراء: 49] .
وَأَمَّا الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُهُ: وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ فَهَذَا أَيْضًا يُوجِبُ الْخَيْرِيَّةَ لِأَنَّهُ يُجْرِي أَمْرَكُمْ عَلَى الظَّاهِرِ، وَلَا يُبَالِغُ فِي التَّفْتِيشِ عَنْ بَوَاطِنِكُمْ، وَلَا يَسْعَى فِي هَتْكِ أَسْتَارِكُمْ، فَثَبَتَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ يُوجِبُ كَوْنَهُ أُذُنُ خَيْرٍ وَلَمَّا بَيَّنَ كَوْنَهُ سَبَبًا لِلْخَيْرِ وَالرَّحْمَةِ بَيَّنَ أَنَّ كُلَّ مَنْ آذَاهُ اسْتَوْجَبَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ يَسْعَى فِي إِيصَالِ الْخَيْرِ وَالرَّحْمَةِ إِلَيْهِمْ مَعَ كَوْنِهِمْ فِي غَايَةِ الْخُبْثِ وَالْخِزْيِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ يُقَابِلُونَ إِحْسَانَهُ بِالْإِسَاءَةِ وَخَيْرَاتِهِ بِالشُّرُورِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أَمَّا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ أُذُنُ خَيْرٍ بِالتَّنْوِينِ فِي الْكَلِمَتَيْنِ فَفِيهِ وُجُوهٌ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: التَّقْدِيرُ قُلْ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ سَامِعَةٌ لِلْحَقِّ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ هَذَا الطَّعْنِ الْفَاسِدِ الَّذِي تَذْكُرُونَ، ثُمَّ ذَكَرَ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 90
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست