responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 78
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ كَثْرَةَ الْمَالِ، تُوجِبُ شِدَّةَ الْقُوَّةِ وَكَمَالَ الْقُدْرَةِ، وَتَزَايُدَ الْمَالِ يُوجِبُ تَزَايُدَ الْقُدْرَةِ، وَتَزَايُدَ الْقُدْرَةِ يُوجِبُ تَزَايُدَ الِالْتِذَاذِ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ، وَتَزَايُدَ تِلْكَ اللَّذَّاتِ، يَدْعُو الْإِنْسَانَ إِلَى أَنْ يَسْعَى فِي تَحْصِيلِ الْمَالِ الَّذِي صَارَ سَبَبًا لِحُصُولِ هَذِهِ اللَّذَّاتِ الْمُتَزَايِدَةِ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ تَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةَ الدَّوْرِ، لِأَنَّهُ إِذَا بَالَغَ فِي السَّعْيِ ازْدَادَ الْمَالُ وَذَلِكَ يُوجِبُ ازْدِيَادَ الْقُدْرَةِ، وَهُوَ يُوجِبُ ازْدِيَادَ اللَّذَّةِ وَهُوَ يَحْمِلُ الْإِنْسَانَ عَلَى أَنْ يَزِيدَ فِي طَلَبِ الْمَالِ، وَلَمَّا صَارَتِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةَ الدَّوْرِ، لَمْ يَظْهَرْ لَهَا مَقْطَعٌ وَلَا آخَرُ، فَأَثْبَتَ الشَّرْعُ لها مقطعا وآخرا وَهُوَ أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ صَرْفَ طَائِفَةٍ مِنْ تِلْكَ الْأَمْوَالِ إِلَى الْإِنْفَاقِ فِي طَلَبِ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى لِيَصْرِفَ النَّفْسَ عَنْ ذَلِكَ الطَّرِيقِ الظَّلْمَانِيِّ الَّذِي لَا آخِرَ لَهُ وَيَتَوَجَّهَ إِلَى عَالَمِ عُبُودِيَّةِ اللَّهِ وَطَلَبِ رِضْوَانِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ كَثْرَةَ الْمَالِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الطُّغْيَانِ وَالْقَسْوَةِ فِي الْقَلْبِ، وَسَبَبُهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ كَثْرَةَ الْمَالِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْقُدْرَةِ، وَالْقُدْرَةُ مَحْبُوبَةٌ لِذَاتِهَا، وَالْعَاشِقُ إِذَا وَصَلَ لِمَعْشُوقِهِ اسْتَغْرَقَ فِيهِ، فَالْإِنْسَانُ يَصِيرُ غَرِقًا فِي طَلَبِ الْمَالِ، فَإِنْ عَرَضَ لَهُ مَانِعٌ يَمْنَعُهُ عَنْ طَلَبِهِ اسْتَعَانَ بِمَالِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى دَفْعِ ذَلِكَ الْمَانِعِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالطُّغْيَانِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [الْعَلَقِ: 6، 7] فَإِيجَابُ الزَّكَاةِ يُقَلِّلُ الطُّغْيَانَ وَيَرُدُّ الْقَلْبَ إِلَى طَلَبِ رِضْوَانِ الرَّحْمَنِ.
وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ النَّفْسَ النَّاطِقَةَ لَهَا قُوَّتَانِ، نَظَرِيَّةٌ وَعَمَلِيَّةٌ، فَالْقُوَّةُ النَّظَرِيَّةُ كَمَالُهَا فِي التَّعْظِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَالْقُوَّةُ الْعَمَلِيَّةُ كَمَالُهَا فِي الشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ، فَأَوْجَبَ اللَّهُ الزَّكَاةَ لِيَحْصُلَ لِجَوْهَرِ الرُّوحِ هَذَا الْكَمَالُ وَهُوَ اتِّصَافُهُ بِكَوْنِهِ مُحْسِنًا إِلَى الْخَلْقِ سَاعِيًا فِي إِيصَالِ الْخَيْرَاتِ إِلَيْهِمْ دَافِعًا لِلْآفَاتِ عَنْهُمْ، وَلِهَذَا السِّرِّ
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «تَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ اللَّهِ» .
وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ الْخَلْقَ إِذَا عَلِمُوا فِي الْإِنْسَانِ كَوْنَهُ سَاعِيًا فِي إِيصَالِ الْخَيْرَاتِ إِلَيْهِمْ، وَفِي دَفْعِ الْآفَاتِ عَنْهُمْ أَحَبُّوهُ بِالطَّبْعِ وَمَالَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَيْهِ لَا مَحَالَةَ، عَلَى مَا
قَالَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «جُبِلَتِ الْقُلُوبُ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهَا وَبُغْضِ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهَا»
فَالْفُقَرَاءُ إِذَا عَلِمُوا أَنَّ الرَّجُلَ الْغَنِيَّ يَصْرِفُ إِلَيْهِمْ طَائِفَةً مِنْ مَالِهِ، وَأَنَّهُ كُلَّمَا كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ كَانَ الَّذِي يَصْرِفُهُ إِلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ أَكْثَرَ، أَمَدُّوهُ بِالدُّعَاءِ وَالْهِمَّةِ، وَلِلْقُلُوبِ آثَارٌ وَلِلْأَرْوَاحِ حَرَارَةٌ فَصَارَتْ تِلْكَ الدَّعَوَاتُ سَبَبًا لِبَقَاءِ ذَلِكَ/ الْإِنْسَانِ فِي الْخَيْرِ وَالْخِصْبِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرَّعْدِ: 17]
وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ» .
وَالْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ الشَّيْءِ أَعْظَمُ مِنَ الِاسْتِغْنَاءِ بِالشَّيْءِ، فَإِنَّ الِاسْتِغْنَاءَ بِالشَّيْءِ يُوجِبُ الِاحْتِيَاجَ إِلَيْهِ، إِلَّا أَنَّهُ يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ غَيْرِهِ، فَأَمَّا الِاسْتِغْنَاءُ عَنِ الشَّيْءِ فَهُوَ الْغِنَى التَّامُّ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ الشَّيْءِ صِفَةُ الْحَقِّ، وَالِاسْتِغْنَاءَ بِالشَّيْءِ صِفَةُ الْخَلْقِ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا أَعْطَى بَعْضَ عَبِيدِهِ أَمْوَالًا كَثِيرَةً فَقَدْ رَزَقَهُ نَصِيبًا وَافِرًا مِنْ بَابِ الِاسْتِغْنَاءِ بِالشَّيْءِ. فَإِذَا أَمَرَهُ بِالزَّكَاةِ كَانَ الْمَقْصُودُ أَنْ يَنْقُلَهُ مِنْ دَرَجَةِ الِاسْتِغْنَاءِ بِالشَّيْءِ، إِلَى الْمَقَامِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، وَأَشْرَفُ مِنْهُ وَهُوَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنِ الشَّيْءِ.
وَالْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّ الْمَالَ سُمِّيَ مَالًا لِكَثْرَةِ مَيْلِ كُلِّ أَحَدٍ إِلَيْهِ، فَهُوَ غَادٍ وَرَائِحٌ، وَهُوَ سَرِيعُ الزَّوَالِ مُشْرِفٌ عَلَى التَّفَرُّقِ، فَمَا دَامَ يَبْقَى فِي يَدِهِ كَانَ كَالْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَاكِ وَالتَّفَرُّقِ. فَإِذَا أَنْفَقَهُ الْإِنْسَانُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْخَيْرِ وَالْمَصَالِحِ بَقِيَ بَقَاءً لَا يُمْكِنُ زَوَالُهُ، فَإِنَّهُ يوجب المدح الدائم فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَابَ الدَّائِمَ فِي الْآخِرَةِ، وَسَمِعْتُ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 78
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست