responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 77
مِنْهَا إِلَى مَرْتَبَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنْ يَقُولَ: سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِمَّا فِي الدُّنْيَا إِنِ اقْتَضَاهُ التَّقْدِيرُ، وَإِمَّا فِي الْآخِرَةِ وَهِيَ أَوْلَى وَأَفْضَلُ.
وَالْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَقُولَ: إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ فَنَحْنُ لَا نَطْلُبُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ أَخْذَ الْأَمْوَالِ وَالْفَوْزَ بِالْمَنَاصِبِ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إِمَّا اكْتِسَابُ سَعَادَاتِ الْآخِرَةِ. وَإِمَّا الِاسْتِغْرَاقُ فِي الْعُبُودِيَّةِ عَلَى مَا دَلَّ لَفْظُ الْآيَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّا إِلَى ثَوَابِ اللَّهِ رَاغِبُونَ.
وَنُقِلَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرَّ بِقَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى فَقَالَ: مَا الَّذِي يَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ؟ قَالُوا: الْخَوْفُ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ، فَقَالَ: أَصَبْتُمْ ثُمَّ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ، فَقَالَ: مَا الَّذِي يَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: الرَّغْبَةُ فِي الثَّوَابِ، فَقَالَ: أَصَبْتُمْ، ثُمَّ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ ثَالِثٍ مُشْتَغِلِينَ بِالذِّكْرِ فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: لَا نَذْكُرُهُ لِلْخَوْفِ مِنَ الْعِقَابِ، وَلَا لِلرَّغْبَةِ فِي الثَّوَابِ، بَلْ لِإِظْهَارِ ذِلَّةِ الْعُبُودِيَّةِ، وَعِزَّةِ الرُّبُوبِيَّةِ وَتَشْرِيفِ الْقَلْبِ بِمَعْرِفَتِهِ، وَتَشْرِيفِ اللِّسَانِ بِالْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى صِفَاتِ قُدْسِهِ وعزته.
فقال: أنتم المحقون المحققون.

[سورة التوبة (9) : آية 60]
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)
اعْلَمْ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمَّا لَمَزُوا الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَاتِ، بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ مَصْرِفَ الصَّدَقَاتِ هَؤُلَاءِ، وَلَا تَعَلُّقَ لِي بِهَا، وَلَا آخُذُ لِنَفْسِي نَصِيبًا مِنْهَا، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ طَعْنٌ فِي الرَّسُولِ بِسَبَبِ أخذ الصدقات. وهاهنا مَقَامَاتٌ:
الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: بَيَانُ الْحِكْمَةِ فِي أَخْذِ الْقَلِيلِ مِنْ أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ، وَصَرْفِهَا إِلَى الْمُحْتَاجِينَ مِنَ النَّاسِ.
وَالْمَقَامُ الثَّانِي: بَيَانُ حَالِ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
أَمَّا الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: فَنَقُولُ: الْحِكْمَةُ فِي إِيجَابِ الزَّكَاةِ أُمُورٌ، بَعْضُهَا مَصَالِحُ عَائِدَةٌ إِلَى مُعْطِي الزَّكَاةِ.
وَبَعْضُهَا عَائِدَةٌ إِلَى آخِذِ الزَّكَاةِ.
أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فَهُوَ أُمُورٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَالَ مَحْبُوبٌ بِالطَّبْعِ، وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ الْقُدْرَةَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ مَحْبُوبَةٌ لِذَاتِهَا، وَلِعَيْنِهَا لَا لِغَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ فَهُوَ مَحْبُوبٌ لِمَعْنًى آخَرَ وَإِلَّا لَزِمَ، إِمَّا التَّسَلْسُلُ وَإِمَّا الدَّوْرُ، وَهُمَا مُحَالَانِ، فَوَجَبَ الِانْتِهَاءُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَحْبُوبَةِ إِلَى مَا يَكُونُ مَحْبُوبًا لِذَاتِهِ.
وَالْكَمَالُ مَحْبُوبٌ لِذَاتِهِ، وَالنُّقْصَانُ مَكْرُوهٌ لِذَاتِهِ فَلَمَّا كَانَتِ الْقُدْرَةُ صِفَةَ كَمَالٍ، وَصِفَةُ الْكَمَالِ مَحْبُوبَةٌ لِذَاتِهَا، كَانَتِ الْقُدْرَةُ مَحْبُوبَةً لِذَاتِهَا. وَالْمَالُ سَبَبٌ لِحُصُولِ تِلْكَ الْقُدْرَةِ، وَلِكَمَالِهَا فِي حَقِّ الْبَشَرِ فَكَانَ أَقْوَى أَسْبَابِ الْقُدْرَةِ فِي حَقِّ الْبَشَرِ هُوَ الْمَالَ، وَالَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْمَحْبُوبُ فَهُوَ مَحْبُوبٌ، فَكَانَ الْمَالُ مَحْبُوبًا، فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي كَوْنِهِ مَحْبُوبًا إِلَّا أَنَّ الاستغراق في حبه يذهل النَّفْسَ عَنْ حُبِّ اللَّهِ وَعَنِ التَّأَهُّبِ لِلْآخِرَةِ فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّرْعِ تَكْلِيفَ مَالِكِ الْمَالِ بِإِخْرَاجِ طَائِفَةٍ مِنْهُ مِنْ يَدِهِ، لِيَصِيرَ ذَلِكَ الْإِخْرَاجُ كَسْرًا مِنْ شِدَّةِ الْمَيْلِ إِلَى الْمَالِ، وَمَنْعًا مِنِ انْصِرَافِ النَّفْسِ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَيْهَا وَتَنْبِيهًا لَهَا عَلَى أَنَّ سَعَادَةَ الْإِنْسَانِ لَا تَحْصُلُ عِنْدَ الِاشْتِغَالِ بِطَلَبِ الْمَالِ وَإِنَّمَا تَحْصُلُ/ بِإِنْفَاقِ الْمَالِ فِي طَلَبِ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِيجَابُ الزَّكَاةِ عِلَاجٌ صَالِحٌ مُتَعَيِّنٌ لِإِزَالَةِ مَرَضِ حُبِّ الدُّنْيَا عَنِ الْقَلْبِ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ لِهَذِهِ الْحِكْمَةِ. وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها [التَّوْبَةِ: 103] أَيْ تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ عَنِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 77
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست