responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 45
إِذَا عَرَفْتَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَنَقُولُ: إِنَّ الْقَوْمَ عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَوْ رَتَّبُوا حِسَابَهُمْ عَلَى السَّنَةِ الْقَمَرِيَّةِ، فَإِنَّهُ يَقَعُ حَجُّهُمْ تَارَةً فِي الصَّيْفِ وَتَارَةً فِي الشِّتَاءِ، وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمُ الْأَسْفَارُ وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِهَا فِي الْمُرَابَحَاتِ وَالتِّجَارَاتِ، لِأَنَّ سَائِرَ النَّاسِ مِنْ سَائِرِ الْبِلَادِ مَا كَانُوا يَحْضُرُونَ إِلَّا فِي الْأَوْقَاتِ اللَّائِقَةِ الْمُوَافِقَةِ، فَعَلِمُوا أَنَّ بِنَاءَ الْأَمْرِ عَلَى رِعَايَةِ السَّنَةِ الْقَمَرِيَّةِ يُخِلُّ بِمَصَالِحِ الدُّنْيَا، فَتَرَكُوا ذَلِكَ وَاعْتَبَرُوا السَّنَةَ الشَّمْسِيَّةَ، وَلَمَّا كَانَتِ السَّنَةُ الشَّمْسِيَّةُ زَائِدَةً عَلَى السَّنَةِ الْقَمَرِيَّةِ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ، احْتَاجُوا إِلَى الْكَبِيسَةِ وَحَصَلَ لَهُمْ بِسَبَبِ تِلْكَ الْكَبِيسَةِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ بَعْضَ السِّنِينَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا بِسَبَبِ اجْتِمَاعِ تِلْكَ الزِّيَادَاتِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ يَنْتَقِلُ الْحَجُّ مِنْ بَعْضِ الشُّهُورِ الْقَمَرِيَّةِ إِلَى غَيْرِهِ، فَكَانَ الْحَجُّ يَقَعُ فِي بَعْضِ السِّنِينَ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَبَعْدَهُ فِي الْمُحَرَّمِ وَبَعْدَهُ فِي صَفَرٍ، وَهَكَذَا فِي الدَّوْرِ حَتَّى يَنْتَهِيَ بَعْدَ مُدَّةٍ مَخْصُوصَةٍ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى ذِي الْحِجَّةِ، فَحَصَلَ بِسَبَبِ الْكَبِيسَةِ هَذَانِ الْأَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: الزِّيَادَةُ فِي عِدَّةِ الشُّهُورِ. وَالثَّانِي: تَأْخِيرُ الْحُرْمَةِ الْحَاصِلَةِ لِشَهْرٍ إِلَى شَهْرٍ آخَرَ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ لَفْظَ النَّسِيءِ يُفِيدُ التَّأْخِيرَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَيُفِيدُ الزِّيَادَةَ عِنْدَ الْبَاقِينَ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَإِنَّهُ مُنْطَبِقٌ عَلَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ.
وَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ: أَنَّ بِنَاءَ الْعِبَادَاتِ عَلَى السَّنَةِ القمرية يخل مصالح الدنيا، وبناؤها عَلَى السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ يُفِيدُ رِعَايَةَ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُمْ مِنْ وَقْتِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بِبِنَاءِ الْأَمْرِ عَلَى رِعَايَةِ السَّنَةِ الْقَمَرِيَّةِ، فَهُمْ تَرَكُوا أَمْرَ اللَّهِ فِي رِعَايَةِ السَّنَةِ الْقَمَرِيَّةِ، وَاعْتَبَرُوا السَّنَةَ الشَّمْسِيَّةَ رِعَايَةً لِمَصَالِحِ الدُّنْيَا، وَأَوْقَعُوا الْحَجَّ فِي شَهْرٍ آخَرَ سِوَى الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ عَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَجَعَلَهُ سَبَبًا لِزِيَادَةِ كُفْرِهِمْ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِزِيَادَةِ الْكُفْرِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُمْ بِإِيقَاعِ الْحَجِّ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ بسبب هذه الكبيسة أوقعوا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَشْهُرِ، وَذَكَرُوا لِأَتْبَاعِهِمْ أَنَّ هَذَا الَّذِي عَمِلْنَاهُ هُوَ الْوَاجِبُ، وَأَنَّ إِيقَاعَهُ في الشهور القمرية غير وواجب، فَكَانَ هَذَا إِنْكَارًا مِنْهُمْ لِحُكْمِ اللَّهِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ وَتَمَرُّدًا عَنْ طَاعَتِهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْكُفْرَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فَثَبَتَ أَنَّ عَمَلَهُمْ فِي ذَلِكَ النَّسِيءِ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْكُفْرِ، وَأَمَّا الْحِسَابُ الَّذِي بِهِ يُعْرَفُ مَقَادِيرُ الزِّيَادَةِ الْحَاصِلَةِ بِسَبَبِ تِلْكَ الْكَبَائِسِ فَمَذْكُورٌ فِي الزِّيجَاتِ، وَأَمَّا الْمُفَسِّرُونَ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي سَبَبِ/ هَذَا التَّأْخِيرِ وَجْهًا آخَرَ فَقَالُوا: إِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُحَرِّمُ الشُّهُورَ الْأَرْبَعَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ شَرِيعَةً ثَابِتَةً مِنْ زَمَانِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَكَانَ الْعَرَبُ أَصْحَابَ حُرُوبٍ وَغَارَاتٍ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَمْكُثُوا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَةٍ لَا يَغْزُونَ فِيهَا وَقَالُوا:
إِنْ تَوَالَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ حُرُمٍ لَا نُصِيبُ فِيهَا شَيْئًا لِنَهْلِكَنَّ، وَكَانُوا يُؤَخِّرُونَ تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى صَفَرٍ فَيُحَرِّمُونَهُ وَيَسْتَحِلُّونَ الْمُحَرَّمَ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّأْخِيرَ مَا كَانَ يَخْتَصُّ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ، بَلْ كَانَ ذَلِكَ حَاصِلًا فِي كُلِّ الشُّهُورِ، وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدَنَا هُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ. وَاتَّفَقُوا
أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ فِي سَنَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَادَ الْحَجُّ إِلَى شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَلَا إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خلق السموات والأرض السنة إثنا عشر شرا» وَأَرَادَ أَنَّ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ رَجَعَتْ إِلَى مَوَاضِعِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْهُمْ أَنْوَاعًا كَثِيرَةً مِنَ الْكُفْرِ، فَلَمَّا ضَمُّوا إِلَيْهَا هَذَا الْعَمَلَ وَنَحْنُ قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ كُفْرٌ كَانَ ضَمُّ هَذَا الْعَمَلِ إِلَى تِلْكَ الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ سَالِفًا مِنَ الْكُفْرِ زِيَادَةً فِي الْكُفْرِ. احْتَجَّ الْجُبَّائِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الْإِيمَانُ مُجَرَّدُ الِاعْتِقَادِ وَالْإِقْرَارِ، قَالَ: لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْكُفْرِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ إِتْمَامًا، فَكَانَ تَرْكُ هَذَا التَّأْخِيرِ إِيمَانًا، وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا التَّرْكَ لَيْسَ بِمَعْرِفَةٍ وَلَا بِإِقْرَارٍ فَثَبَتَ أَنَّ غَيْرَ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِقْرَارِ قد يكون
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 45
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست