responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 165
قَدِمَ الْمَدِينَةَ اعْتَذَرَ الْمُنَافِقُونَ فَعَذَرَهُمْ وَأَتَيْتُهُ وَقُلْتُ: إِنَّ كُرَاعِي وَزَادِي كَانَ حَاضِرًا وَاحْتَبَسْتُ بِذَنْبِي فَاسْتَغْفِرْ لِي فَأَبَى الرَّسُولُ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ مُجَالَسَةِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَأَمَرَ بِمُبَايَنَتِهِمْ حَتَّى أَمَرَ بِذَلِكَ نِسَاءَهُمْ، فَضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، وَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ بَكَى هِلَالٌ حَتَّى خِفْتُ عَلَى بَصَرِهِ حَتَّى إِذَا مَضَى خَمْسُونَ يَوْمًا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَأَنْزَلَ قَوْلَهُ: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا فَعِنْدَ ذَلِكَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُجْرَتِهِ وَهُوَ عِنْدُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَ أَصْحَابِنَا» فَلَمَّا صَلَّى الْفَجْرَ ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَصْحَابِهِ وَبَشَّرَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ تَابَ عَلَيْهِمْ، فَانْطَلَقُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَلَا عَلَيْهِمْ مَا نَزَلَ فِيهِمْ. فَقَالَ كَعْبٌ: تَوْبَتِي إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ أُخْرِجَ مَالِي صَدَقَةً فَقَالَ: «لَا» قُلْتُ: فَنَصِفُهُ قَالَ: «لَا» قُلْتُ: فَثُلْثُهُ قَالَ: «نَعَمْ» وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ بِصِفَاتٍ ثَلَاثَةٍ.
الصِّفَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَعْنَاهُ: أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَارَ مُعْرِضًا عَنْهُمْ وَمَنَعَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مُكَالَمَتِهِمْ وَأَمَرَ أَزْوَاجَهُمْ بِاعْتِزَالِهِمْ وَبَقُوا عَلَى هَذِهِ الحالة خمسين يوما، وقيل: أكثر، ومعنى ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ.
وَالصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَالْمُرَادُ ضِيقُ صُدُورِهِمْ بِسَبَبِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَمُجَانَبَةِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْأَحِبَّاءِ، وَنَظَرِ النَّاسِ لَهُمْ بِعَيْنِ الْإِهَانَةِ.
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ وَيَقْرُبُ مَعْنَاهُ
مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي دُعَائِهِ: «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَأَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ غَضَبِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ»
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ:
وَظَنُّوا أَيْ عَلِمُوا كَمَا في قوله: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ [الْبَقَرَةِ: 46] وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ هَذَا الْوَصْفَ فِي حَقِّهِمْ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِلَّا وَكَانُوا عَالِمِينَ بِأَنَّهُ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: وُقِفَ أَمْرُهُمْ عَلَى الْوَحْيِ وَهُمْ مَا كَانُوا قَاطِعِينَ أَنَّ اللَّهَ يُنَزِّلُ الْوَحْيَ بِبَرَاءَتِهِمْ عَنِ النِّفَاقِ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يُجَوِّزُونَ أَنْ تَطُولَ الْمُدَّةُ فِي بَقَائِهِمْ فِي الشِّدَّةِ فَالطَّعْنُ/ عَادَ إِلَى تَجْوِيزِ كَوْنِ تِلْكَ الْمُدَّةِ قَصِيرَةً، وَلَمَّا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ، قَالَ: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ [إلى آخر الآية] وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بد هاهنا مِنْ إِضْمَارٍ. وَالتَّقْدِيرُ: حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ. تَابَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ، فَمَا الْفَائِدَةُ فِي هَذَا التَّكْرِيرِ؟
قُلْنَا: هَذَا التَّكْرِيرُ حَسَنٌ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا أَنَّ السُّلْطَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُبَالِغَ فِي تَقْرِيرِ الْعَفْوِ لِبَعْضِ عَبِيدِهِ يَقُولُ عَفَوْتُ عَنْكَ ثُمَّ عَفَوْتُ عَنْكَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا.
قُلْنَا فِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ بَيَانُ أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَوْلُهُ: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ فِعْلُ اللَّهِ وَقَوْلُهُ: لِيَتُوبُوا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فِعْلُ الْعَبْدِ، فَهَذَا صَرِيحُ قَوْلِنَا، ونظيره
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 165
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست