responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 139
عَلَى مِثَالِ الْمِرْآةِ الْمُشْرِقَةِ الْمُتَقَابِلَةِ. فَلِهَذَا السَّبَبِ فإن من أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ وَظِيفَةً عَلَى أُسْتَاذِهِ فَالْأَدَبُ أَنْ يَبْدَأَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ يَدْعُو لِأُسْتَاذِهِ ثُمَّ يَشْرَعُ فِي الْقِرَاءَةِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا أَنْ يُقَوِّيَ التَّعَلُّقَ بَيْنَ رُوحِهِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَرْوَاحِ الْمُقَدَّسَةِ الطَّاهِرَةِ، حَتَّى أَنَّ بِسَبَبِ قُوَّةِ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ رُبَّمَا ظَهَرَ شَيْءٌ مِنْ أَنْوَارِهَا وَآثَارِهَا فِي رُوحِ هَذَا الطَّالِبِ، فَيَسْتَقِرُّ فِي عَقْلِهِ مِنَ الْأَنْوَارِ الْفَائِضَةِ مِنْهَا، وَيُقَوِّي رُوحَهُ بِمَدَدِ ذَلِكَ الْفَيْضِ عَلَى إِدْرَاكِ الْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ. إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَإِذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: «سَلَامٌ عَلَيْكُمْ» حَدَثَ بَيْنَهُمَا تَعَلُّقٌ شَدِيدٌ، وَحَصَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ تَطَابُقِ الْأَرْوَاحَ وَتَعَاكُسِ الْأَنْوَارِ، وَلْنَكْتَفِ/ بِهَذَا الْقَدْرِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ هَذَا الْفَصْلَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ: إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: السَّكَنُ فِي اللُّغَةِ مَا سَكَنْتَ إِلَيْهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ صَلَاتَكَ عَلَيْهِمْ تُوجِبُ سُكُونَ نُفُوسِهِمْ إِلَيْكَ، وَلِلْمُفَسِّرِينَ عِبَارَاتٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: دُعَاؤُكَ رَحْمَةٌ لَهُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: وَقَارٌ لَهُمْ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: طُمَأْنِينَةٌ لَهُمْ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: إِذَا اسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ سَكَنَتْ نُفُوسُهُمْ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبِلَ تَوْبَتَهُمْ. وَأَقُولُ: إِنَّ رُوحَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَتْ رُوحًا قَوِيَّةً مُشْرِقَةً صَافِيَةً بَاهِرَةً، فَإِذَا دَعَا مُحَمَّدٌ لَهُمْ وَذَكَرَهُمْ بِالْخَيْرِ فَاضَتْ آثَارٌ مِنْ قُوَّتِهِ الرُّوحَانِيَّةِ عَلَى أَرْوَاحِهِمْ، فَأَشْرَقَتْ بِهَذَا السَّبَبِ أَرْوَاحُهُمْ وَصَفَتْ أَسْرَارَهُمْ، وَانْتَقَلُوا مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى النُّورِ، وَمِنَ الْجُسْمَانِيَّةِ إِلَى الرُّوحَانِيَّةِ، وَتَقْرِيرُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ.
ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهُ سَمِيعٌ لِقَوْلِهِمْ: عَلِيمٌ بنياتهم.

[سورة التوبة (9) : آية 104]
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنِ الْقَوْمِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ أَنَّهُمْ تَابُوا عَنْ ذُنُوبِهِمْ وَأَنَّهُمْ تَصَدَّقُوا وَهُنَاكَ لَمْ يَذْكُرْ إِلَّا قَوْلَهُ: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ وَمَا كَانَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي قَبُولِ التَّوْبَةِ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَأَنَّهُ يَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ، وَالْمَقْصُودُ تَرْغِيبُ مَنْ لَمْ يَتُبْ فِي التَّوْبَةِ، وَتَرْغِيبُ كُلِّ الْعُصَاةِ فِي الطَّاعَةِ. وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ قَوْلُهُ: أَلَمْ يَعْلَمُوا وَإِنْ كَانَ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ، إِلَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّقْرِيرُ فِي النَّفْسِ، وَمِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ فِي إِيهَامِ الْمُخَاطَبِ وَإِزَالَةِ الشَّكِّ عَنْهُ أَنْ يَقُولُوا: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ مَنْ عَلَّمَكَ يَجِبُ عَلَيْكَ خِدْمَتُهُ. أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ يَجِبُ عَلَيْكَ شُكْرُهُ، فَبَشَّرَ اللَّهُ تَعَالَى هَؤُلَاءِ التَّائِبِينَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِمْ وَصَدَقَاتِهِمْ.
ثُمَّ زَادَهُ تَأْكِيدًا بِقَوْلِهِ: هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قُرِئَ أَلَمْ يَعْلَمُوا بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَابُوا يَعْنِي أَلَمْ يَعْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يُتَابَ عَلَيْهِمْ/ وَتُقْبَلَ صَدَقَاتُهُمْ، أَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ الصَّحِيحَةَ، وَيَقْبَلُ الصَّدَقَاتِ الصَّادِرَةَ عَنْ خُلُوصِ النِّيَّةِ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرَ التَّائِبِينَ تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي التَّوْبَةِ.
رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَكَمَ بِصِحَّةِ تَوْبَتِهِمْ قَالَ: «الَّذِينَ لَمْ يَتُوبُوا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَابُوا كَانُوا بِالْأَمْسِ مَعَنَا لَا يُكَلَّمُونَ وَلَا يُجَالَسُونَ فَمَا لَهُمْ» فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 139
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست