responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 124
قُلْنَا: فِي وَصْفِهِ تَعَالَى بِكَوْنِهِ: عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مُطَّلِعًا عَلَى بَوَاطِنِهِمُ الْخَبِيثَةِ وَضَمَائِرِهِمُ الْمَمْلُوءَةِ مِنَ الْكَذِبِ وَالْكَيْدِ، وفيه تخويف شديد، وزجر عظيم لهم.

[سورة التوبة (9) : الآيات 95 الى 96]
سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (96)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنْهُمْ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّهُمْ يَعْتَذِرُونَ، ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَكِّدُونَ تِلْكَ الْأَعْذَارَ بِالْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ.
أَمَّا قَوْلُهُ: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ حَلَفُوا بِاللَّهِ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُمْ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ حَلَفُوا؟ فَقِيلَ: إِنَّهُمْ حَلَفُوا عَلَى أَنَّهُمْ مَا قَدَرُوا عَلَى الْخُرُوجِ، وَإِنَّمَا حَلَفُوا عَلَى ذَلِكَ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ أَيْ لِتَصْفَحُوا عَنْهُمْ، وَلِتُعْرِضُوا عَنْ ذَمِّهِمْ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُرِيدُ تَرْكَ الْكَلَامِ وَالسَّلَامِ.
قَالَ مُقَاتِلٌ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ: «لَا تُجَالِسُوهُمْ وَلَا تُكَلِّمُوهُمْ»
قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: هَؤُلَاءِ طَلَبُوا إِعْرَاضَ الصَّفْحِ، فَأُعْطُوا إِعْرَاضَ الْمَقْتِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْعِلَّةَ فِي وُجُوبِ الْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ، فَقَالَ: إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَالْمَعْنَى: أَنَّ خُبْثَ بَاطِنِهِمْ رِجْسٌ رُوحَانِيٌّ، فَكَمَا يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنِ الْأَرْجَاسِ الْجُسْمَانِيَّةِ، فَوُجُوبُ الِاحْتِرَازِ عَنِ الْأَرْجَاسِ الرُّوحَانِيَّةِ أَوْلَى، خَوْفًا مِنْ سَرَيَانِهَا إِلَى الْإِنْسَانِ، وَحَذَرًا مِنْ أَنْ يَمِيلَ طَبْعُ الْإِنْسَانِ إِلَى تِلْكَ الْأَعْمَالِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ وَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ، وَلَمَّا بَيَّنَ فِي الْآيَةِ أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لِيُعْرِضَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ إِيذَائِهِمْ، بَيَّنَ أَيْضًا أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ لِيَرْضَى الْمُسْلِمُونَ عَنْهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى نَهَى الْمُسْلِمِينَ عَنْ أَنْ يَرْضَوْا عَنْهُمْ، فَقَالَ: فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ وَالْمَعْنَى: أَنَّكُمْ إِنْ رَضِيتُمْ عَنْهُمْ مَعَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنْهُمْ، كَانَتْ إِرَادَتُكُمْ مُخَالِفَةً لِإِرَادَةِ اللَّهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ. وَأَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الآيات السالفة، وقد أعادها الله هاهنا مَرَّةً أُخْرَى، وَأَظُنُّ أَنَّ الْأَوَّلَ خِطَابٌ مَعَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْمَدِينَةِ، وَهَذَا خِطَابٌ مَعَ الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ وَأَصْحَابِ الْبَوَادِي، وَلَمَّا كَانَتْ طُرُقُ الْمُنَافِقِينَ مُتَقَارِبَةً سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، لَا جَرَمَ كَانَ الْكَلَامُ مَعَهُمْ عَلَى مَنَاهِجَ مُتَقَارِبَةٍ.

[سورة التوبة (9) : الآيات 97 الى 98]
الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَعَادَ هَذِهِ الْأَحْكَامَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا مُخَاطَبَةُ مُنَافِقِي الْأَعْرَابِ، وَلِهَذَا السَّبَبِ بَيَّنَ أَنَّ كُفْرَهُمْ وَنِفَاقَهُمْ أَشَدُّ وَجَهْلَهُمْ بِحُدُودِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ أَكْمَلُ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 124
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست