responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 122
كَافٍ فِي تَقْرِيرِ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَحْتَجُّ بِهَذَا عَلَى نَفْيِ الْقِيَاسِ. قَالَ: لِأَنَّ هَذَا النَّصَّ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ هو براءة الذمة، هو عدم الْإِلْزَامِ وَالتَّكْلِيفِ، فَالْقِيَاسُ إِمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ أَوْ عَلَى شَغْلِ الذِّمَّةِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ لَمَّا ثَبَتَتْ بِمُقْتَضَى هَذَا النَّصِّ، كَانَ إِثْبَاتُهَا بِالْقِيَاسِ عَبَثًا. وَالثَّانِي أَيْضًا بَاطِلٌ، لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَصِيرُ ذَلِكَ الْقِيَاسُ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ هَذَا النَّصِّ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، لِمَا ثَبَتَ أَنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنَ الْقِيَاسِ. قَالُوا: وَبِهَذَا الطَّرِيقِ تَصِيرُ الشَّرِيعَةُ مَضْبُوطَةً، مَعْلُومَةً، مُلَخَّصَةً، بَعِيدَةً عَنِ الِاضْطِرَابِ وَالِاخْتِلَافَاتِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ السُّلْطَانَ إِذَا بَعَثَ وَاحِدًا مِنْ عُمَّالِهِ إِلَى سِيَاسَةِ بَلْدَةٍ، فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الرَّجُلُ تَكْلِيفِي عَلَيْكَ، وَعَلَى أَهْلِ تِلْكَ الْمَمْلَكَةِ، كَذَا وَكَذَا، وَعَدَّ عَلَيْهِمْ مِائَةَ نَوْعٍ مِنَ التَّكَالِيفِ مَثَلًا، ثُمَّ قَالَ: وَبَعْدَ هَذِهِ التَّكَالِيفِ لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ، كَانَ هَذَا تَنْصِيصًا مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمْ فِيمَا وَرَاءَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ الْمِائَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَوْ أَنَّهُ كَلَّفَ ذَلِكَ السُّلْطَانُ بِأَنْ يَنُصَّ عَلَى مَا سِوَى تِلْكَ الْمِائَةِ بِالنَّفْيِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ كَانَ ذَلِكَ مُحَالًا، لِأَنَّ بَابَ النَّفْيِ لَا نِهَايَةَ لَهُ، بَلْ كَفَاهُ فِي النَّفْيِ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ سَبِيلٌ إِلَّا فِيمَا ذَكَرْتُ وَفَصَّلْتُ، فكذا هاهنا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَتَوَجَّهَ عَلَى أَحَدٍ سَبِيلٌ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي الْقُرْآنِ أَلْفَ تَكْلِيفٍ، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، كَانَ ذَلِكَ تَنْصِيصًا عَلَى أَنَّ التَّكَالِيفَ مَحْصُورَةٌ فِي ذَلِكَ الْأَلْفِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا فِيمَا وَرَاءَهُ فَلَيْسَ لِلَّهِ عَلَى الْخَلْقِ تَكْلِيفٌ وَأَمْرٌ وَنَهْيٌ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ تَصِيرُ الشَّرِيعَةُ مَضْبُوطَةً سَهْلَةَ الْمَؤُنَةِ كَثِيرَةَ الْمَعُونَةِ، وَيَكُونُ الْقُرْآنُ وَافِيًا بِبَيَانِ التَّكَالِيفِ وَالْأَحْكَامِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [الْمَائِدَةِ: 3] حَقًّا، وَيَصِيرُ قَوْلُهُ: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النَّحْلِ: 44] حَقًّا، وَلَا حَاجَةَ الْبَتَّةَ إِلَى التَّمَسُّكِ بِالْقِيَاسِ فِي حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ أَصْلًا، فَهَذَا مَا يُقَرِّرُهُ أَصْحَابُ الظَّوَاهِرِ مِثْلُ دَاوُدَ الْأَصْفَهَانِيِّ وَأَصْحَابِهِ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْبَابِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الضُّعَفَاءَ وَالْمَرْضَى وَالْفُقَرَاءَ، بَيَّنَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمُ التَّخَلُّفُ عَنِ الْجِهَادِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُوا نَاصِحِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَبَيَّنَ كَوْنَهُمْ مُحْسِنِينَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِمْ سَبِيلٌ، ذَكَرَ قِسْمًا رَابِعًا مِنَ الْمَعْذُورِينَ، فَقَالَ: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ.
فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّ هَؤُلَاءِ دَاخِلُونَ تَحْتَ قَوْلِهِ: وَلا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي إِعَادَتِهِ؟
قُلْنَا: الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ، هُمُ الْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَيْسَ مَعَهُمْ دُونَ النَّفَقَةِ، وَهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ فِي الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ هُمُ الَّذِينَ مَلَكُوا قَدْرَ النَّفَقَةِ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا الْمَرْكُوبَ، وَالْمُفَسِّرُونَ ذَكَرُوا فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ:
قَالَ مُجَاهِدٌ: هُمْ ثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ: مَعْقِلٌ، وَسُوَيْدٌ، وَالنُّعْمَانُ بَنُو مُقْرِنٍ، سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْمِلَهُمْ عَلَى الْخِفَافِ الْمَدْبُوغَةِ، وَالنِّعَالِ الْمَخْصُوفَةِ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ» فَتَوَلَّوْا وَهُمْ يَبْكُونَ،
وَالثَّانِي:
قَالَ الْحَسَنُ: نَزَلَتْ فِي أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَصْحَابِهِ، أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحْمِلُونَهُ، وَوَافَقَ ذَلِكَ مِنْهُ غَضَبًا، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَاللَّهِ مَا أَحْمِلُكُمْ وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ» فَتَوَلَّوْا وَهُمْ يَبْكُونَ فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، فأعطاهم خير ذودا، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَلَسْتَ حَلَفْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «أَمَا إِنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ بِيَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ عَنْ يميني» .
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 16  صفحه : 122
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست