responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 499
[سورة الأنفال (8) : آية 60]
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَوْجَبَ عَلَى رَسُولِهِ أَنْ يُشَرِّدَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ نَقْضُ الْعَهْدِ، وَأَنْ يَنْبِذَ الْعَهْدَ إِلَى مَنْ خَافَ مِنْهُ النَّقْضَ، أَمَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْإِعْدَادِ لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ. قِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا اتَّفَقَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ أَنْ قَصَدُوا الْكُفَّارَ بِلَا آلَةٍ وَلَا عُدَّةٍ أَمَرَهُمُ اللَّه أَنْ لَا يَعُودُوا لِمِثْلِهِ وَأَنْ يَعُدُّوا لِلْكُفَّارِ مَا يُمْكِنُهُمْ مِنْ آلَةٍ وَعُدَّةٍ وَقُوَّةٍ، وَالْمُرَادُ بالقوة هاهنا: مَا يَكُونُ سَبَبًا لِحُصُولِ الْقُوَّةِ وَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ مِنَ الْقُوَّةِ أَنْوَاعُ الْأَسْلِحَةِ.
الثَّانِي:
رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَالَ: «أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ» قَالَهَا ثَلَاثًا.
الثَّالِثُ: قَالَ بَعْضُهُمْ:
الْقُوَّةُ هِيَ الْحُصُونُ. الرَّابِعُ: قَالَ أَصْحَابُ الْمَعَانِي الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: هَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يُتَقَوَّى بِهِ عَلَى حَرْبِ الْعَدُوِّ، وَكُلُّ مَا هُوَ آلَةٌ لِلْغَزْوِ وَالْجِهَادِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْقُوَّةِ.
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْقُوَّةُ هِيَ الرَّمْيُ»
لَا يَنْفِي كَوْنَ غَيْرِ الرَّمْيِ مُعْتَبَرًا، كَمَا أَنَّ
قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْحَجُّ عَرَفَةُ» وَ «النَّدَمُ تَوْبَةٌ»
لَا يَنْفِي اعْتِبَارَ غَيْرِهِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَذْكُورَ جُزْءٌ شَرِيفٌ مِنَ الْمَقْصُودِ فَكَذَا هاهنا، وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِعْدَادَ لِلْجِهَادِ بِالنَّبْلِ وَالسِّلَاحِ وَتَعْلِيمِ الْفُرُوسِيَّةِ وَالرَّمْيِ فَرِيضَةٌ، إِلَّا أَنَّهُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ. وَقَوْلُهُ: وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ الرِّبَاطُ الْمُرَابَطَةُ أَوْ جَمْعُ رَبِيطٍ، كَفِصَالٍ وَفَصِيلٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ رَبْطَ الْخَيْلِ مِنْ أَقْوَى آلَاتِ الْجِهَادِ. رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لا بن سِيرِينَ: إِنَّ فُلَانًا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْحُصُونِ. فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: يُشْتَرَى بِهِ الْخَيْلُ فَتُرْبَطُ فِي سَبِيلِ اللَّه وَيُغْزَى عَلَيْهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ إِنَّمَا أَوْصَى لِلْحُصُونِ، فَقَالَ هِيَ الْخَيْلُ أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ الشَّاعِرِ:
وَلَقَدْ عَلِمْتُ عَلَى تَجَنُّبِيَ الرَّدَى ... أَنَّ الْحُصُونَ الْخَيْلُ لَا مَدَرُ الْقُرَى
قَالَ عِكْرِمَةُ: وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ الْإِنَاثُ وَهُوَ قَوْلُ الْفَرَّاءِ، وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْخَيْلَ إِذَا رُبِطَتْ فِي الْأَفْنِيَةِ وَعُلِفَتْ رُبُطًا وَاحِدُهَا رَبِيطٌ، وَيُجْمَعُ رُبُطٌ عَلَى رِبَاطٍ وهو جمع الجمع، / فمعنى الرباط هاهنا، الْخَيْلُ الْمَرْبُوطُ فِي سَبِيلِ اللَّه، وَفُسِّرَ بِالْإِنَاثِ لِأَنَّهَا أَوْلَى مَا يُرْبَطُ لِتَنَاسُلِهَا وَنَمَائِهَا بِأَوْلَادِهَا، فَارْتِبَاطُهَا أَوْلَى مِنَ ارْتِبَاطِ الْفُحُولِ، هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْوَاحِدِيُّ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: بَلْ حَمْلُ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى الْفُحُولِ أَوْلَى، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ الْمُحَارَبَةُ عَلَيْهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفُحُولَ أَقْوَى عَلَى الْكَرِّ وَالْفَرِّ وَالْعَدْوِ، فَكَانَتِ الْمُحَارَبَةُ عَلَيْهَا أَسْهَلَ، فَوَجَبَ تَخْصِيصُ هَذَا اللَّفْظِ بِهَا، وَلَمَّا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَجَبَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى مَفْهُومِهِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ كَوْنُهُ خَيْلًا مَرْبُوطًا، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْفُحُولِ أَوْ مِنَ الْإِنَاثِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ مَا لِأَجْلِهِ أَمَرَ بِإِعْدَادِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ. فَقَالَ: تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ إِذَا عَلِمُوا كَوْنَ الْمُسْلِمِينَ مُتَأَهِّبِينَ لِلْجِهَادِ وَمُسْتَعِدِّينَ لَهُ مُسْتَكْمِلِينَ لِجَمِيعِ الْأَسْلِحَةِ وَالْآلَاتِ خَافُوهُمْ، وَذَلِكَ الْخَوْفُ يُفِيدُ أُمُورًا كَثِيرَةً: أَوَّلُهَا: أَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ دُخُولَ دَارِ الْإِسْلَامِ.
وَثَانِيهَا: أَنَّهُ إِذَا اشْتَدَّ خَوْفُهُمْ فَرُبَّمَا الْتَزَمُوا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ جِزْيَةً. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ رُبَّمَا صَارَ ذَلِكَ دَاعِيًا لَهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ. وَرَابِعُهَا: أَنَّهُمْ لَا يُعِينُونَ سَائِرَ الْكُفَّارِ. وَخَامِسُهَا: أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَزِيدِ الزِّينَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَالْمُرَادُ أَنَّ تَكْثِيرَ آلَاتِ الْجِهَادِ وَأَدَوَاتِهَا كَمَا
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 15  صفحه : 499
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست