responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 14  صفحه : 272
فِي قَوْلُهُ: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ... وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ وَهَذَا النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ أَيْ خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَالَ كَوْنِهَا مَوْصُوفَةً بِهَذِهِ الصِّفَاتِ وَالْآثَارِ وَالْأَفْعَالِ وَحُجَّةُ ابْنِ عَامِرٍ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [الجاثية: 13] وَمِنْ جُمْلَةِ مَا فِي السَّمَاءِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فَلَمَّا أَخْبَرَ أَنَّهُ تَعَالَى سَخَّرَهَا حَسُنَ الْإِخْبَارُ عَنْهَا بِأَنَّهَا مُسَخَّرَةٌ كَمَا أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ ضَرَبْتُ زَيْدًا اسْتَقَامَ أَنْ تَقُولَ زَيْدٌ مَضْرُوبٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَطَائِفُ: فَالْأُولَى: أَنَّ الشَّمْسَ لَهَا نَوْعَانِ مِنَ الْحَرَكَةِ:
أَحَدُ النَّوْعَيْنِ: حَرَكَتُهَا بِحَسَبِ ذَاتِهَا وَهِيَ إِنَّمَا تَتِمُّ فِي سَنَةٍ كَامِلَةٍ وَبِسَبَبِ هَذِهِ الْحَرَكَةِ تَحْصُلُ السَّنَةُ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: حَرَكَتُهَا بِسَبَبِ حَرَكَةِ الْفَلَكِ الْأَعْظَمِ وَهَذِهِ الْحَرَكَةُ تَتِمُّ فِي الْيَوْمِ بِلَيْلَةٍ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ لَا يَحْصُلُ بِسَبَبِ حَرَكَةِ الشَّمْسِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِسَبَبِ حَرَكَةِ السَّمَاءِ الْأَقْصَى الَّتِي يُقَالُ لَهَا الْعَرْشُ فهذا السَّبَبِ لَمَّا ذَكَرَ الْعَرْشَ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ رَبَطَ بِهِ قَوْلَهُ:
يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ سَبَبَ حُصُولِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ هُوَ حَرَكَةُ الْفَلَكِ الْأَقْصَى لَا حَرَكَةَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَهَذِهِ دَقِيقَةٌ عَجِيبَةٌ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تعالى لما شرح كيفية تخليق السموات. قَالَ: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها [فُصِّلَتْ: 12] فَدَلَّتْ تِلْكَ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَصَّ كُلَّ ذَلِكَ بِلَطِيفَةٍ نُورَانِيَّةٍ رَبَّانِيَّةٍ مِنْ عَالِمِ الْأَمْرِ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ تعالى اما من عالم الخالق أَوْ مِنْ عَالَمِ الْأَمْرِ، أَمَّا الَّذِي هُوَ مِنْ عَالَمِ الْخَلْقِ، فَالْخَلْقُ عِبَارَةٌ عَنِ التَّقْدِيرِ، وَكُلُّ مَا كَانَ جِسْمًا أَوْ جُسْمَانِيًّا كَانَ مَخْصُوصًا بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ، فَكَانَ مِنْ عَالَمِ الْخَلْقِ، وَكُلُّ مَا كَانَ بَرِيئًا عَنِ الْحَجْمِيَّةِ وَالْمِقْدَارِ كَانَ مِنْ عَالَمِ الْأَرْوَاحِ وَمِنْ عَالَمِ الْأَمْرِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْرَامِ الْأَفْلَاكِ وَالْكَوَاكِبِ الَّتِي هِيَ مِنْ عَالَمِ الْخَلْقِ بِمَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَهُمْ مِنْ عَالَمِ الْأَمْرِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مُطَابِقَةٌ لِذَلِكَ، وَهِيَ مَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يُحَرِّكُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ عِنْدَ الطُّلُوعِ وَعِنْدَ الْغُرُوبِ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وَأَيْضًا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ [الْحَاقَّةِ: 17] إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِحِفْظِ الْعَرْشِ ثَمَانِيَةٌ، ثُمَّ إِذَا دَقَّقْتَ النَّظَرَ عَلِمْتَ أَنَّ عَالَمَ الْخَلْقِ فِي تَسْخِيرِ اللَّهِ وَعَالَمَ الْأَمْرِ فِي تَدْبِيرِ اللَّهِ وَاسْتِيلَاءَ الرُّوحَانِيَّاتِ عَلَى الْجُسْمَانِيَّاتِ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ وَالْبَرَكَةُ لَهَا تَفْسِيرَانِ: أَحَدُهُمَا: الْبَقَاءُ وَالثَّبَاتُ وَالثَّانِي: كَثْرَةُ الْآثَارِ الْفَاضِلَةِ وَالنَّتَائِجِ الشَّرِيفَةِ وَكِلَا التَّفْسِيرَيْنِ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِالْحَقِّ سُبْحَانَهُ، فَإِنْ حَمَلْتَهُ عَلَى الثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ، فَالثَّابِتُ وَالدَّائِمُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ الْمَوْجُودُ الْوَاجِبُ لِذَاتِهِ الْعَالِمُ لِذَاتِهِ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ الْغَنِيُّ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، فَهُوَ سُبْحَانُهُ مَقْطَعُ الْحَاجَاتِ وَمَنْهَى الِافْتِقَارَاتِ وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ وَأَيْضًا إِنْ فَسَّرْنَا الْبَرَكَةَ بِكَثْرَةِ الْآثَارِ الْفَاضِلَةِ فَالْكُلُّ بِهَذَا التَّفْسِيرِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الْمَوْجُودَ إِمَّا وَاجِبٌ لِذَاتِهِ وَإِمَّا مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ وَالْوَاجِبُ لِذَاتِهِ لَيْسَ إِلَّا هُوَ، وَكُلُّ مَا سِوَاهُ مُمْكِنٌ، وَكُلُّ مُمْكِنٍ فَلَا يُوجَدُ إِلَّا بِإِيجَادِ الْوَاجِبِ لِذَاتِهِ وَكُلُّ الْخَيْرَاتِ مِنْهُ وَكُلُّ الْكَمَالَاتِ فَائِضَةٌ مِنْ وُجُودِهِ وَإِحْسَانِهِ، فَلَا خَيْرَ إِلَّا مِنْهُ وَلَا إِحْسَانَ إِلَّا مِنْ فَيْضِهِ، وَلَا رَحْمَةَ إِلَّا وَهِيَ حَاصِلَةٌ مِنْهُ فَلَمَّا كَانَ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ لَيْسَ إِلَّا مِنْهُ، لَا جَرَمَ كَانَ الثَّنَاءُ الْمَذْكُورُ بقوله:
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 14  صفحه : 272
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست