responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 14  صفحه : 212
إِلَى الْجَنَّةِ بِأَنْ أُزَيِّنَ لَهُمُ الْبَاطِلَ وَمَا يُكْسِبُهُمُ الْمَآثِمَ وَلَمَّا كَانَتِ (الْبَاءُ) بَاءَ الْقَسَمِ كَانَتِ (اللَّامُ) جَوَابَ الْقَسَمِ (وَمَا) بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ واغويتني صِلَتُهَا. وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ: فَبِما أَغْوَيْتَنِي أَيْ فَبِسَبَبِ إِغْوَائِكَ إِيَّايَ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ وَالْمُرَادُ أَنَّكَ لَمَّا أَغْوَيْتَنِي فَأَنَا أَيْضًا أَسْعَى فِي إِغْوَائِهِمْ الثَّالِثُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: (مَا) فِي قَوْلِهِ: فَبِما أَغْوَيْتَنِي لِلِاسْتِفْهَامِ كَأَنَّهُ قِيلَ: بِأَيِّ شَيْءٍ أَغْوَيْتَنِي ثُمَّ ابْتَدَأَ وَقَالَ: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ وَفِيهِ إِشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ إِثْبَاتَ الْأَلِفِ إِذَا أُدْخِلَ حَرْفُ الْجَرِّ عَلَى «مَا» الِاسْتِفْهَامِيَّةِ قَلِيلٌ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ لَا خِلَافَ بَيْنِ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ «عَلَى» مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ عَلَى صِرَاطِكَ الْمُسْتَقِيمِ. قَالَ الزَّجَّاجُ. مِثَالُهُ قَوْلُكَ ضَرَبَ زَيْدٌ الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ وَالْمَعْنَى عَلَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ وَإِلْقَاءُ كَلِمَةِ «عَلَى» جَائِزٌ لِأَنَّ الصِّرَاطَ ظَرْفٌ فِي الْمَعْنَى: فَاحْتَمَلَ مَا يَحْتَمِلُهُ لِلْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فِي قَوْلِكَ آتِيكَ غَدًا وَفِي غَدٍ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: قَوْلُهُ: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ فِيهِ أَبْحَاثٌ.
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ يُوَاظِبُ عَلَى الْإِفْسَادِ مُوَاظَبَةً لَا يَفْتُرُ عَنْهَا وَلِهَذَا الْمَعْنَى ذَكَرَ الْقُعُودَ لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُبَالِغَ فِي تَكْمِيلِ أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ قَعَدَ حَتَّى يَصِيرَ فَارِغَ الْبَالِ فَيُمْكِنُهُ إِتْمَامُ الْمَقْصُودِ وَمُوَاظَبَتُهُ عَلَى الْإِفْسَادِ هي مواظبة عَلَى الْوَسْوَسَةِ حَتَّى لَا يَفْتُرَ عَنْهَا.
وَالْبَحْثُ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالدِّينِ الْحَقِّ وَالْمَنْهَجِ الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ قَالَ: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ وَصِرَاطُ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ دِينُهُ الْحَقُّ.
الْبَحْثُ الثَّالِثُ: الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِبْلِيسَ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَالِاعْتِقَادِ هُوَ مَحْضُ الْغَوَايَةِ وَالضَّلَالِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كذلك لما قال: فَبِما أَغْوَيْتَنِي وَأَيْضًا كَانَ عَالِمًا بِالدِّينِ الْحَقِّ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا قَالَ: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَكَيْفَ يُمْكِنُ: أَنْ يَرْضَى إِبْلِيسُ بِذَلِكَ الْمَذْهَبِ مَعَ عِلْمِهِ بِكَوْنِهِ ضَلَالًا وَغَوَايَةً وَبِكَوْنِهِ مُضَادًّا لِلدِّينِ الْحَقِّ وَمُنَافِيًا لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فَإِنَّ الْمَرْءَ إِنَّمَا يَعْتَقِدُ الْفَاسِدَ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَوْنُهُ حَقًّا فَأَمَّا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَضَلَالٌ وَغَوَايَةٌ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَخْتَارَهُ وَيَرْضَى بِهِ وَيَعْتَقِدَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ إِنَّ كُفْرَ إِبْلِيسَ كُفْرُ عِنَادٍ لَا كُفْرُ جَهْلٍ لِأَنَّهُ مَتَى عَلِمَ أَنَّ مَذْهَبَهُ ضَلَالٌ وَغَوَايَةٌ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّ ضِدَّهُ هُوَ الْحَقُّ فَكَانَ إِنْكَارُهُ إِنْكَارًا بِمَحْضِ اللِّسَانِ فَكَانَ ذَلِكَ كُفْرَ عِنَادٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا بَلْ كُفْرُهُ كُفْرُ جَهْلٍ وَقَوْلُهُ: فَبِما أَغْوَيْتَنِي وَقَوْلُهُ: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ يُرِيدُ بِهِ فِي زَعْمِ الْخَصْمِ وَفِي اعْتِقَادِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي بَيَانِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ رِعَايَةُ مَصَالِحِ الْعَبْدِ فِي دِينِهِ وَلَا فِي دُنْيَاهُ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ إِبْلِيسَ اسْتَمْهَلَ الزَّمَانَ الطَّوِيلَ فَأَمْهَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ إِنَّمَا اسْتَمْهَلَهُ لِإِغْوَاءِ الْخَلْقِ وَإِضْلَالِهِمْ وَإِلْقَاءِ الْوَسَاوِسِ فِي قُلُوبِهِمْ وَكَانَ تَعَالَى عَالِمًا بِأَنَّ أَكْثَرَ الْخَلْقِ يُطِيعُونَهُ وَيَقْبَلُونَ وَسْوَسَتَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سَبَأٍ: 20] فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ إِنْظَارَ إِبْلِيسَ وَإِمْهَالَهُ هَذِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ يَقْتَضِي حُصُولَ الْمَفَاسِدِ الْعَظِيمَةِ وَالْكُفْرَ الْكَبِيرَ فَلَوْ كَانَ تَعَالَى مُرَاعِيًا لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 14  صفحه : 212
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست