responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 13  صفحه : 55
ظَوَاهِرِ الْخَلْقِ، وَلَمَّا اسْتَجْمَعُوا هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ لَا جَرَمَ كَانُوا هُمُ الْحُكَّامَ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةَ فَقَوْلُهُ: آتَيْناهُمُ الْكِتابَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَعْطَاهُمُ الْعَلَمَ الْكَثِيرَ وَقَوْلُهُ:
وَالْحُكْمَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُمْ حُكَّامًا عَلَى النَّاسِ نَافِذِي الْحُكْمِ فِيهِمْ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ. وَقَوْلُهُ:
وَالنُّبُوَّةَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ، وَهِيَ الدَّرَجَةُ الْعَالِيَةُ الرَّفِيعَةُ الشَّرِيفَةُ الَّتِي يَتَفَرَّعُ عَلَى حُصُولِهَا حُصُولُ الْمُرَتَّبَتَيْنِ الْمُقَدَّمَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَلِلنَّاسِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ تَفْسِيرَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْإِيتَاءِ الِابْتِدَاءَ بِالْوَحْيِ وَالتَّنْزِيلِ عَلَيْهِ كَمَا فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَتَوْرَاةِ مُوسَى، وَإِنْجِيلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وقرآن محمد صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّه تَعَالَى فَهْمًا تَامًّا لِمَا فِي الْكِتَابِ وَعِلْمًا مُحِيطًا بِحَقَائِقِهِ وَأَسْرَارِهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى. لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الْمَذْكُورِينَ مَا أَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كتابا إليها على التعيين والتخصيص.
[فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ وَالْمُرَادُ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَذَا التَّوْحِيدِ وَالطَّعْنِ فِي الشِّرْكِ كَفَّارُ قُرَيْشٍ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْمَ مَنْ هُمْ؟ عَلَى وُجُوهٍ، فَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَهُمُ الْأَنْصَارُ، وَقِيلَ: الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمُ الْأَنْبِيَاءُ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ وَهُوَ اخْتِيَارُ الزَّجَّاجِ:
قَالَ الزَّجَّاجُ: وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ وَقَالَ أَبُو رَجَاءٍ:
يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ اسْمَ الْقَوْمِ قَلَّمَا يَقَعُ عَلَى غَيْرِ بَنِي آدَمَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ هُمُ الْفُرْسُ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كُلُّ مَنْ لَمْ يَكْفُرْ فَهُوَ مِنْهُمْ سَوَاءٌ كَانَ مَلِكًا أَوْ نَبِيًّا أَوْ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوْ مِنَ التَّابِعِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ يَدُلُّ عَلَى أنه إنما خلقهم للإيمان.
وأما غير هم فَهُوَ تَعَالَى مَا خَلَقَهُمْ لِلْإِيمَانِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ خَلَقَ الْكُلَّ لِلْإِيمَانِ كَانَ الْبَيَانُ وَالتَّمْكِينُ وَفِعْلُ الْأَلْطَافِ مُشْتَرَكًا فِيهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَغَيْرِ الْمُؤْمِنِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى لِقَوْلِهِ: فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ مَعْنًى!.
وَأَجَابَ الْكَعْبِيُّ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى زَادَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ إِيمَانِهِمْ وَبَعْدَهُ مِنْ أَلْطَافِهِ وَفَوَائِدِهِ وَشَرِيفِ أَحْكَامِهِ مَا لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّه، وَذَكَرَ فِي الْجَوَابِ وَجْهًا ثَانِيًا، فَقَالَ: / وَبِتَقْدِيرِ: أَنْ يُسَوِّيَ لَكَانَ بَعْضُهُمْ إِذَا قَصَّرَ وَلَمْ يَنْتَفِعْ صَحَّ أَنْ يُقَالَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ أن لَمْ يَحْصُلْ لَهُ نِعَمُ اللَّه كَالْوَالِدِ الَّذِي يُسَوِّي بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ فِي الْعَطِيَّةِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ أَعْطَى أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْآخَرُ ضَيَّعَهُ وَأَفْسَدَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ الْأَلْطَافَ الدَّاعِيَةَ إِلَى الْإِيمَانِ مُشْتَرَكَةٌ فِيمَا بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ وَالتَّخْصِيصُ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَالثَّانِي: أَيْضًا فَاسِدٌ. لِأَنَّ الْوَالِدَ لَمَّا سَوَّى بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ فِي الْعَطِيَّةِ، ثُمَّ إِنَّ أَحَدَهُمَا ضَيَّعَ نَصِيبَهُ، فَأَيُّ عَاقِلٍ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْأَبَ مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ، وَمَا أَعْطَاهُ شَيْئًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى سَيَنْصُرُ نَبِيَّهُ وَيُقَوِّي دِينَهُ، وَيَجْعَلُهُ مُسْتَعْلِيًا عَلَى كُلِّ مَنْ عَادَاهُ، قَاهِرًا لِكُلِّ مَنْ نَازَعَهُ، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الَّذِي أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَكَانَ هَذَا جَارِيًا مَجْرَى الْإِخْبَارِ عَنِ الْغَيْبِ، فَيَكُونُ مُعْجِزًا. واللَّه أعلم.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 13  صفحه : 55
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست