responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 13  صفحه : 54
انْتَسَبَا إِلَى رَسُولِ اللَّه بِالْأُمِّ وَجَبَ كَوْنُهُمَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَيُقَالُ: إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عِنْدَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ يُفِيدُ أَحْكَامًا كَثِيرَةً: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الْآبَاءَ وَالذُّرِّيَّاتِ وَالْإِخْوَانَ، فَالْآبَاءُ هُمُ الْأُصُولُ، وَالذُّرِّيَّاتُ هُمُ الْفُرُوعُ، وَالْإِخْوَانُ فُرُوعُ الْأُصُولِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى خَصَّ كُلَّ مَنْ تَعَلَّقَ بِهَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ بِنَوْعٍ مِنَ الشَّرَفِ وَالْكَرَامَةِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَمِنْ آبائِهِمْ وَكَلِمَةُ «مِنْ» لِلتَّبْعِيضِ.
فَإِنْ قُلْنَا: الْمُرَادُ مِنْ تِلْكَ الْهِدَايَةِ الْهِدَايَةُ إِلَى الثَّوَابِ وَالْجَنَّةِ وَالْهِدَايَةِ إِلَى الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ، فَهَذِهِ الْكَلِمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي آبَاءِ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ مَنْ كَانَ غَيْرَ مُؤْمِنٍ وَلَا وَاصِلٍ إِلَى الْجَنَّةِ. أَمَّا لَوْ قُلْنَا: الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْهِدَايَةِ النُّبُوَّةُ لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ. الثَّالِثُ: أَنَّا إِذَا فَسَّرْنَا هذه الهداية بالنبوة كان/ قوله: وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ كَالدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ شَرْطَ كَوْنِ الْإِنْسَانِ رَسُولًا مِنْ عِنْدِ اللَّه أَنْ يَكُونَ رَجُلًا، وَأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ رَسُولًا مِنْ عِنْدِ اللَّه تَعَالَى، وَقَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ: وَاجْتَبَيْناهُمْ يُفِيدُ النُّبُوَّةَ، لِأَنَّ الِاجْتِبَاءَ إِذَا ذُكِرَ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لَا يَلِيقُ بِهِ إِلَّا الْحَمْلُ عَلَى النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْهُدَى هُوَ مَعْرِفَةُ التَّوْحِيدِ وَتَنْزِيهُ اللَّه تَعَالَى عَنِ الشِّرْكِ، لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 88] وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ الْهُدَى مَا يَكُونُ جَارِيًا مَجْرَى الْأَمْرِ الْمُضَادِّ لِلشِّرْكِ.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْهُدَى مَعْرِفَةُ اللَّه بِوَحْدَانِيَّتِهِ. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى صَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ الْهُدَى مِنَ اللَّه تَعَالَى، ثَبَتَ أن الإيمان لا يحصل إلا يخلق اللَّه تَعَالَى، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى خَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ بِنَفْيِ الشِّرْكِ فَقَالَ: وَلَوْ أَشْرَكُوا وَالْمَعْنَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ طَاعَاتُهُمْ وَعِبَادَاتُهُمْ. وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ تَقْرِيرُ التَّوْحِيدِ وَإِبْطَالُ طَرِيقَةِ الشِّرْكِ. وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي حَقِيقَةِ الْإِحْبَاطِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْصَاءِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْإِعَادَةِ. واللَّه أَعْلَمُ.

[سورة الأنعام (6) : آية 89]
أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (89)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ] اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: أُولئِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الَّذِينَ مَضَى ذِكْرُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّه تَعَالَى قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ آتَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَطْفَ يُوجِبُ الْمُغَايِرَةَ، فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ لَا بُدَّ وَأَنْ تَدُلَّ عَلَى أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ مُتَغَايِرَةٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكَّامَ عَلَى الْخَلْقِ ثَلَاثُ طَوَائِفَ: أَحَدُهَا: الَّذِينَ يَحْكُمُونَ عَلَى بَوَاطِنِ النَّاسِ وَعَلَى أَرْوَاحِهِمْ، وَهُمُ الْعُلَمَاءُ. وَثَانِيهَا: الَّذِينَ يَحْكُمُونَ عَلَى ظَوَاهِرِ الْخَلْقِ، وَهُمُ السَّلَاطِينُ يَحْكُمُونَ عَلَى النَّاسِ بِالْقَهْرِ وَالسَّلْطَنَةِ، وَثَالِثُهَا: الْأَنْبِيَاءُ، وَهُمُ الَّذِينَ أَعْطَاهُمُ اللَّه تَعَالَى مِنَ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ مَا لِأَجْلِهِ بِهَا يَقْدِرُونَ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي بَوَاطِنِ الْخَلْقِ وَأَرْوَاحِهِمْ، وَأَيْضًا أَعْطَاهُمْ مِنَ القدرة والممكنة مَا لِأَجْلِهِ/ يَقْدِرُونَ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 13  صفحه : 54
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست