responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 13  صفحه : 168
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فَسَادَ طَرِيقَةِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنَ الْمَطْعُومَاتِ أَتْبَعَهُ بِالْبَيَانِ الصَّحِيحِ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ بِالتَّاءِ مَيْتَةً بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ: إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ أَوِ النَّفْسُ أَوِ الْجُثَّةُ مَيْتَةً. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ بِالتَّاءِ مَيْتَةٌ بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى إِلَّا أَنْ تَقَعَ مَيْتَةٌ أَوْ تَحْدُثَ مَيْتَةٌ وَالْبَاقُونَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَيْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْكُولُ مَيْتَةً أَوْ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْجُودُ مَيْتَةً.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالْوَحْيِ قَالَ: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ أَيْ عَلَى آكِلٍ يَأْكُلُهُ وَذَكَرَ هَذَا لِيُظْهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ هُوَ بَيَانُ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنَ الْمَأْكُولَاتِ. ثُمَّ ذَكَرَ أُمُورًا أَرْبَعَةً: أَوَّلُهَا: الْمَيِّتَةُ وَثَانِيهَا: الدَّمُ الْمَسْفُوحُ وَثَالِثُهَا: لَحْمُ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ رِجْسٌ وَرَابِعُهَا: الْفِسْقُ وَهُوَ الَّذِي أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً إِلَّا هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ مُبَالَغَةٌ فِي بَيَانِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إِلَّا هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُحَلَّلَاتِ إِلَّا بِالْوَحْيِ وَثَبَتَ أَنَّهُ لَا وَحْيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا إِلَى مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى يَأْمُرُهُ أَنْ يَقُولَ:
إِنِّي لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ إِلَّا هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ كَانَ هَذَا مُبَالَغَةً فِي بَيَانِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إِلَّا هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ فَبَيَّنَ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْمَكِّيَّةِ أَنَّهُ لَا مُحَرَّمَ إِلَّا هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ ثُمَّ أَكَدَّ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل: 115] وَكَلِمَةُ (إِنَّمَا) تُفِيدُ الْحَصْرَ فَقَدْ حَصَلَتْ لَنَا آيَتَانِ مَكِّيَّتَانِ يَدُلَّانِ عَلَى حَصْرِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فَبَيَّنَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ أَيْضًا أَنَّهُ لَا مُحَرَّمَ إِلَّا هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ فَقَالَ:
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ [البقرة: 173] وَكَلِمَةُ (إِنَّمَا) تُفِيدُ الْحَصْرَ فَصَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْمَدَنِيَّةُ مُطَابِقَةً لِتِلْكَ الْآيَةِ الْمَكِّيَّةِ لِأَنَّ كَلِمَةَ: (إِنَّمَا) تُفِيدُ الْحَصْرَ فَكَلِمَةُ إِنَّما فِي الْآيَةِ الْمَدَنِيَّةِ مُطَابِقَةٌ لِقَوْلِهِ: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً إِلَّا كَذَا وَكَذَا فِي الْآيَةِ الْمَكِّيَّةِ ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ قَوْلَهُ تَعَالَى: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ [الْمَائِدَةِ: 1] وَأَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ هُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ بِقَلِيلٍ وَهُوَ قَوْلُهُ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ [المائدة: 3] وَكُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَقْسَامُ الْمَيْتَةِ وَأَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَعَادَهَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَحْكُمُونَ عَلَيْهَا بِالتَّحْلِيلِ فَثَبَتَ أَنَّ الشَّرِيعَةَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا/ كَانَتْ مُسْتَقِرَّةً عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَعَلَى هَذَا الْحَصْرِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَيَلْزَمُكُمْ فِي الْتِزَامِ هَذَا الْحَصْرِ تَحْلِيلُ النَّجَاسَاتِ وَالْمُسْتَقْذَرَاتِ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَيْضًا تَحْلِيلُ الْخَمْرِ وَأَيْضًا فَيَلْزَمُكُمْ تَحْلِيلُ الْمُنْخَنِقَةِ وَالْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ بِتَحْرِيمِهَا.
قُلْنَا: هَذَا لَا يَلْزَمُنَا مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا حَرَّمَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ لِكَوْنِهِ نَجِسًا فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّجَاسَةَ عِلَّةٌ لِتَحْرِيمِ الْأَكْلِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ نَجِسٍ يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَإِذَا كَانَ هَذَا مَذْكُورًا فِي الْآيَةِ كَانَ السُّؤَالُ سَاقِطًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 13  صفحه : 168
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست