responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 487
لَا يَتَفَاوَتُ الْحَالُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ فِي نَفْسِهِ مَلَكًا أَوْ بَشَرًا. أَلَا تَرَى أَنَّ جَمِيعَ الرُّسُلِ عَايَنُوا الْمَلَائِكَةَ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ كَأَضْيَافِ إِبْرَاهِيمَ، وَأَضْيَافِ لُوطٍ، وَكَالَّذِينِ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ، وَكَجِبْرِيلَ حَيْثُ تَمَثَّلَ لِمَرْيَمَ بَشَرًا سَوِيًّا.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ إِنْزَالَ الْمَلَكِ آيَةٌ بَاهِرَةٌ جَارِيَةٌ مَجْرَى الْإِلْجَاءِ، وَإِزَالَةِ الِاخْتِيَارِ، وَذَلِكَ مُخِلٌّ بِصِحَّةِ التَّكْلِيفِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ إِنْزَالَ الْمَلَكِ وَإِنْ كَانَ يَدْفَعُ الشُّبُهَاتِ الْمَذْكُورَةَ إِلَّا أَنَّهُ يُقَوِّي الشُّبُهَاتِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَيَّ مُعْجِزَةٍ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ قَالُوا هَذَا فِعْلُكَ فَعَلْتَهُ بِاخْتِيَارِكَ وَقُدْرَتِكَ، وَلَوْ حَصَلَ لَنَا مِثْلُ مَا حَصَلَ لَكَ مِنَ الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْعِلْمِ لَفَعَلْنَا مِثْلَ مَا فَعَلْتَهُ أَنْتَ، فَعَلِمْنَا أَنَّ إِنْزَالَ الْمَلَكِ وَإِنْ كَانَ يَدْفَعُ الشُّبْهَةَ مِنَ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ لَكِنَّهُ يُقَوِّي الشُّبْهَةَ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ فَالْفَائِدَةُ فِي كَلِمَةِ ثُمَّ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْإِنْظَارِ أَشَدُّ مِنْ قَضَاءِ الْأَمْرِ، لِأَنَّ مُفَاجَأَةَ الشِّدَّةِ أَشَدُّ مِنْ نَفْسِ الشِّدَّةِ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَقَوْلُهُ وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا أَيْ لَجَعَلْنَاهُ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ. وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أُمُورٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْجِنْسَ إِلَى الْجِنْسِ أَمَيْلُ. وَثَانِيهَا: أَنَّ الْبَشَرَ لَا يُطِيقُ رُؤْيَةَ الْمَلَكِ، وَثَالِثُهَا: أَنَّ طَاعَاتِ الْمَلَائِكَةِ قَوِيَّةٌ فَيَسْتَحْقِرُونَ طَاعَةَ الْبَشَرِ، وَرُبَّمَا لَا يَعْذُرُونَهُمْ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْمَعَاصِي.
وَرَابِعُهَا: أَنَّ النُّبُوَّةَ فَضْلٌ مِنَ اللَّه فَيَخْتَصُّ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَلَكًا أَوْ بَشَرًا.
ثُمَّ قَالَ: وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: يُقَالُ لَبَسْتُ الْأَمْرَ عَلَى الْقَوْمِ أَلْبِسُهُ لَبْسًا إِذَا شَبَّهْتَهُ عَلَيْهِمْ وَجَعَلْتَهُ مُشْكِلًا، وَأَصْلُهُ مِنَ التَّسَتُّرِ بِالثَّوْبِ، وَمِنْهُ لَبِسَ الثَّوْبَ لِأَنَّهُ يُفِيدُ سَتْرَ النَّفْسِ وَالْمَعْنَى أَنَّا إِذَا جَعَلْنَا الْمَلَكَ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ فَهُمْ يَظُنُّونَ كَوْنَ ذَلِكَ الْمَلَكِ بَشَرًا فَيَعُودُ سُؤَالُهُمْ أَنَّا لَا نَرْضَى بِرِسَالَةِ هَذَا الشَّخْصِ.
وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ أَنَّ اللَّه لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَصَارَ فِعْلُ اللَّه نَظِيرًا لِفِعْلِهِمْ فِي التَّلْبِيسِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ تَلْبِيسًا لِأَنَّ النَّاسَ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بَشَرٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ فِعْلُهُمْ تَلْبِيسًا لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِقَوْمِهِمْ إِنَّهُ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَالْبَشَرُ لَا يَكُونُ رَسُولًا مِنْ عند اللَّه تعالى.

[سورة الأنعام (6) : آية 10]
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (10)
اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْأَقْوَامِ الَّذِينَ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ رَسُولَ اللَّه يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ كَانُوا يَقُولُونَ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِهْزَاءِ، وَكَانَ يَضِيقُ قَلْبُ الرَّسُولِ عِنْدَ سَمَاعِهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِيَصِيرَ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ عَنِ القلب لأن أحدا مَا يُخَفِّفُ عَنِ الْقَلْبِ الْمُشَارَكَةُ فِي سَبَبِ الْمِحْنَةِ وَالْغَمِّ. فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ إِنَّ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ الْكَثِيرَةَ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ الَّتِي يُعَامِلُونَكَ بِهَا قَدْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي سَائِرِ الْقُرُونِ مَعَ أَنْبِيَائِهِمْ، فَلَسْتَ أَنْتَ فَرِيدًا فِي هَذَا الطَّرِيقِ.
وَقَوْلُهُ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ الْآيَةَ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فَاطِرٍ: 43] وَفِي تَفْسِيرِهِ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ لِأَهْلِ اللُّغَةِ وَهِيَ بِأَسْرِهَا مُتَقَارِبَةٌ. قَالَ النَّضْرُ: وَجَبَ عَلَيْهِمْ. قَالَ اللَّيْثُ (الْحَيْقُ) مَا حَاقَ بِالْإِنْسَانِ مِنْ مَكْرٍ أَوْ سُوءٍ يَعْمَلُهُ فَنَزَلَ ذَلِكَ بِهِ، يَقُولُ أَحَاقَ اللَّه بِهِمْ مَكْرَهُمْ وَحَاقَ بهم مكرهم، وقال الفرّاء (حاق بهم) عاد عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ (حَاقَ بِهِمْ) حَلَّ بِهِمْ ذَلِكَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ «حَاقَ» أَيْ أَحَاطَ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: فَسَّرَ الزَّجَّاجُ (حَاقَ) بِمَعْنَى أَحَاطَ وَكَانَ مَأْخَذُهُ مِنَ الْحَوْقِ وَهُوَ مَا اسْتَدَارَ بِالْكَمَرَةِ. وَفِي الْآيَةِ بَحْثٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَةَ (مَا) في قوله ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ فِيهَا قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالشَّرْعُ وَهُوَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَتَصِيرُ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ، وَالتَّقْدِيرُ فَحَاقَ بِهِمْ عقاب ما كانوا به يستهزؤن.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 12  صفحه : 487
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست