responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 354
وَلَا فِي سَرِقَةِ التِّبْنَةِ الْوَاحِدَةِ، بَلْ فِي أَقَلِّ شَيْءٍ يَجْرِي فِيهِ الشُّحُّ وَالضِّنَّةُ، وَذَلِكَ لأن مَقَادِيرُ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ غَيْرُ مَضْبُوطَةٍ، فَرُبَّمَا اسْتَحْقَرَ الْمَلِكُ الْكَبِيرُ آلَافًا مُؤَلَّفَةً، وَرُبَّمَا اسْتَعْظَمَ الْفَقِيرُ طَسُّوجًا، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ، ثُمَّ فَسَّرَ بِالْحَبَّةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ عَظِيمًا عِنْدَهُ لِغَايَةِ فَقْرِهِ وَشِدَّةِ احْتِيَاجِهِ إِلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَتْ مَقَادِيرُ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ غَيْرَ مَضْبُوطَةٍ وَجَبَ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَى أَقَلِّ مَا يُسَمَّى مَالًا، وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَسْتَبْعِدَ وَيَقُولَ: كَيْفَ يَجُوزُ قَطْعُ الْيَدِ فِي سَرِقَةِ الطَّسُّوجَةِ الْوَاحِدَةِ، لِأَنَّ الْمُلْحِدَةَ قَدْ جَعَلُوا هَذَا طَعْنًا فِي الشَّرِيعَةِ، فَقَالُوا: الْيَدُ لَمَّا كَانَتْ قِيمَتُهَا خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ مِنَ الذَّهَبِ، فَكَيْفَ تُقْطَعُ لِأَجْلِ الْقَلِيلِ مِنَ الْمَالِ؟ ثُمَّ إِنَّا أَجَبْنَا عَنْ هَذَا الطَّعْنِ بِأَنَّ/ الشَّرْعَ إِنَّمَا قَطَعَ يَدَهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ تَحَمَّلَ الدَّنَاءَةَ وَالْخَسَاسَةَ فِي سَرِقَةِ ذَلِكَ الْقَدْرِ الْقَلِيلِ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُعَاقِبَهُ الشَّرْعُ بِسَبَبِ تِلْكَ الدَّنَاءَةِ بِهَذِهِ الْعُقُوبَةِ الْعَظِيمَةِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا الْجَوَابُ مَقْبُولًا مِنَ الْكُلِّ فَلْيَكُنْ أَيْضًا مَقْبُولًا مِنَّا فِي إِيجَابِ الْقَطْعِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. قَالَ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا يجوز تخصيص عموم القرآن هاهنا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِتَخْصِيصِ هَذَا الْعُمُومِ اخْتَلَفُوا عَلَى وُجُوهٍ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه:
يَجِبُ الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ،
وَرُوِيَ فِيهِ قوله عليه الصلاة والسلام: «لا قطع إلا فِي رُبْعِ دِينَارٍ»
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه: لَا يَجُوزُ الْقَطْعُ إِلَّا فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ
وَرُوِيَ فِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا قَطْعَ إِلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ»
وَالظَّاهِرُ أَنَّ ثَمَنَ الْمِجَنِّ لَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: إِنَّهُ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ رُبْعِ دِينَارٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: مُقَدَّرٌ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ يَطْعَنُ فِي الْخَبَرِ الَّذِي يَرْوِيهِ الْآخَرُ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَهَذِهِ الْمُخَصِّصَاتُ صَارَتْ مُتَعَارِضَةً، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُلْتَفَتَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهَا، وَيُرْجَعُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ اللَّه تَعَالَى إِلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ. قَالَ: وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ إِلَّا فِي مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ. قَالَ: لِأَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ كَانَ يُوجِبُ الْقَطْعَ بِمُطْلَقِ السَّرِقَةِ، وَكَانَ يَقُولُ: احْذَرْ مِنْ قَطْعِ يَدِكَ بِدِرْهَمٍ، وَلَوْ كَانَ الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدًا لَمَا خَالَفَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِيهِ مَعَ قُرْبِهِ مِنْ زَمَانِ الصَّحَابَةِ وَشِدَّةِ احْتِيَاطِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ، فَهَذَا تَقْرِيرُ مَذْهَبِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَدَاوُدَ الْأَصْفَهَانِيِّ.
وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ مِنَ الْقَدْرِ، ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّه: الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَهُوَ نِصَابُ السَّرِقَةِ، وَسَائِرُ الْأَشْيَاءِ تَقُومُ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ: لَا يَجِبُ الْقَطْعُ في أقل من عشرة دراهم مَضْرُوبَةٍ، وَيَقُومُ غَيْرُهَا بِهَا. وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّه: رُبْعُ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: خَمْسَةُ دَرَاهِمَ.
حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما يُوجِبُ الْقَطْعَ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، إِلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ تَوَافَقُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَطْعُ فِيمَا دُونَ رُبْعِ دِينَارٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا عَلَى ظَاهِرِ النَّصِّ، ثُمَّ أُكِّدَ هَذَا بِمَا
رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «لَا قَطْعَ إِلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ» .
وَأَمَّا الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّه مِنْ
قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا قَطْعَ إِلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ»
فَهُوَ ضَعِيفٌ لِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ ثَمَنَ الْمِجَنِّ مَجْهُولٌ، فَتَخْصِيصُ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ مُجْمَلٍ مَجْهُولِ الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ. الثَّانِي: أَنَّهُ إِنْ كَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ مُقَدَّرًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كَانَ التَّخْصِيصُ/ الْحَاصِلُ بِسَبَبِهِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما أَكْثَرَ مِنَ التَّخْصِيصِ الْحَاصِلِ فِي عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ بَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا قَطْعَ إِلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ» فَكَانَ التَّرْجِيحُ لهذا الجانب.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 354
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست