responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 287
حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفٌ بِعَرَفَاتٍ عَلَى نَاقَتِهِ الْعَضْبَاءِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: يَئِسُوا مِنْ أَنْ تُحَلِّلُوا هَذِهِ الْخَبَائِثَ بَعْدَ أَنْ جَعَلَهَا اللَّه مُحَرَّمَةً. وَالثَّانِي: يَئِسُوا مِنْ أَنْ يَغْلِبُوكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى كَانَ قَدْ وَعَدَ بِإِعْلَاءِ هَذَا الدِّينِ عَلَى كُلِّ الْأَدْيَانِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التَّوْبَةِ: 33] [الفتح: 28] [الصف: 9] فَحَقَّقَ تِلْكَ النُّصْرَةَ وَأَزَالَ الْخَوْفَ بِالْكُلِّيَّةِ وَجَعَلَ الْكُفَّارَ مَغْلُوبِينَ بَعْدَ أَنْ كَانُوا غَالِبِينَ، وَمَقْهُورِينَ بَعْدَ أَنْ كَانُوا قَاهِرِينَ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ قَوْمٌ: الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ التَّقِيَّةَ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْخَوْفِ، قَالُوا لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُمْ بِإِظْهَارِ هَذِهِ الشَّرَائِعِ وَإِظْهَارِ الْعَمَلِ بِهَا وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِزَوَالِ الْخَوْفِ مِنْ جِهَةِ الْكُفَّارِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِيَامَ الْخَوْفِ يُجَوِّزُ تَرْكَهَا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي الْآيَةِ سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ يَقْتَضِي أَنَّ الدِّينَ كَانَ نَاقِصًا قَبْلَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنَّ الدِّينَ الَّذِي كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَاظِبًا عَلَيْهِ أَكْثَرَ عُمُرِهِ كَانَ نَاقِصًا، وَأَنَّهُ إِنَّمَا وَجَدَ الدِّينَ الْكَامِلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ مُدَّةً قَلِيلَةً.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ لِأَجْلِ الِاحْتِرَازِ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ ذَكَرُوا وُجُوهًا: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ/ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ هُوَ إِزَالَةُ الْخَوْفِ عَنْهُمْ وَإِظْهَارُ الْقُدْرَةِ لَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَهَذَا كما يقول الملك عند ما يَسْتَوْلِي عَلَى عَدُوِّهِ وَيَقْهَرُهُ قَهْرًا كُلِّيًّا: الْيَوْمَ كَمُلَ مَلْكُنَا، وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ مُلْكَ ذَلِكَ الْمَلِكِ كَانَ قَبْلَ قَهْرِ الْعَدُوِّ نَاقِصًا. الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ: إِنِّي أَكْمَلْتُ لَكُمْ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي تَكَالِيفِكُمْ مِنْ تَعَلُّمِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُكْمِلْ لَهُمْ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ مَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرَائِعِ كَانَ ذَلِكَ تَأْخِيرًا لِلْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. الثَّالِثُ: وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ: أَنَّ الدِّينَ مَا كَانَ نَاقِصًا الْبَتَّةَ، بَلْ كَانَ أَبَدًا كَامِلًا، يَعْنِي كَانَتِ الشَّرَائِعُ النَّازِلَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّه فِي كُلِّ وَقْتٍ كَافِيَةً فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى كَانَ عَالِمًا فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْمَبْعَثِ بِأَنَّ مَا هُوَ كَامِلٌ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَيْسَ بِكَامِلٍ فِي الْغَدِ وَلَا صَلَاحَ فِيهِ، فَلَا جَرَمَ كَانَ يَنْسَخُ بَعْدَ الثُّبُوتِ وَكَانَ يَزِيدُ بَعْدَ الْعَدَمِ، وَأَمَّا فِي آخِرِ زَمَانِ الْمَبْعَثِ فَأَنْزَلَ اللَّه شَرِيعَةً كَامِلَةً وَحَكَمَ بِبَقَائِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَالشَّرْعُ أَبَدًا كَانَ كَامِلًا، إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ كَمَالٌ إِلَى زَمَانٍ مَخْصُوصٍ، وَالثَّانِي كَمَالٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ نُفَاةُ الْقِيَاسِ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ بَاطِلٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ نَصَّ عَلَى الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ الْوَقَائِعِ، إِذْ لَوْ بَقِيَ بَعْضُهَا غَيْرَ مُبَيَّنِ الْحُكْمِ لَمْ يَكُنِ الدِّينُ كَامِلًا، وَإِذَا حَصَلَ النَّصُّ فِي جَمِيعِ الْوَقَائِعِ فَالْقِيَاسُ إِنْ كَانَ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ النَّصِّ كَانَ عَبَثًا، وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِهِ كَانَ بَاطِلًا.
أَجَابَ مُثْبِتُو الْقِيَاسِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِإِكْمَالِ الدِّينِ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ حُكْمَ جَمِيعِ الْوَقَائِعِ بَعْضَهَا بِالنَّصِّ وَبَعْضَهَا بِأَنْ بَيَّنَ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا جَعَلَ الْوَقَائِعَ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا الَّتِي نُصَّ عَلَى
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 287
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست