responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 278
الشَّيْءِ وَذَاتُهُ وَعَيْنُهُ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَهِيمَةِ شَيْءٌ، وَبِالْأَنْعَامِ شَيْءٌ آخَرُ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الظِّبَاءُ وَبَقَرُ الْوَحْشِ وَنَحْوُهَا، كَأَنَّهُمْ أَرَادُوا مَا يُمَاثِلُ الْأَنْعَامَ وَيُدَانِيهَا مِنْ جِنْسِ الْبَهَائِمِ فِي الِاجْتِرَارِ وَعَدَمِ الْأَنْيَابِ، فَأُضِيفَتْ إِلَى الْأَنْعَامِ لِحُصُولِ الْمُشَابَهَةِ. الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ أَجِنَّةُ الْأَنْعَامِ. رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّ بَقَرَةً ذُبِحَتْ فَوُجِدَ فِي بَطْنِهَا جَنِينٌ، فَأَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِذَنَبِهَا وَقَالَ: هَذَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّهَا أَجِنَّةُ الْأَنْعَامِ، وَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّه فِي أَنَّ الْجَنِينَ مُذَكًّى بِذَكَاةِ الْأُمِّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَتِ الثَّنَوِيَّةُ: ذَبْحُ الْحَيَوَانَاتِ إِيلَامٌ، وَالْإِيلَامُ قَبِيحٌ، وَالْقَبِيحُ لَا يَرْضَى بِهِ/ الْإِلَهُ الرَّحِيمُ الْحَكِيمُ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الذَّبْحُ حَلَالًا مُبَاحًا بِحُكْمِ اللَّه. قَالُوا: وَالَّذِي يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ لَيْسَ لَهَا قُدْرَةٌ عَنِ الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهَا، وَلَا لَهَا لِسَانٌ تَحْتَجُّ عَلَى مَنْ قَصَدَ إِيلَامَهَا، وَالْإِيلَامُ قَبِيحٌ إِلَّا أَنَّ إِيلَامَ مَنْ بَلَغَ فِي الْعَجْزِ وَالْحَيْرَةِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ أَقْبَحُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِرَقَ الْمُسْلِمِينَ افْتَرَقُوا فِرَقًا كَثِيرَةً بِسَبَبِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ فَقَالَتِ الْمُكْرَمِيَّةُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ تَتَأَلَّمُ عِنْدَ الذَّبْحِ، بَلْ لَعَلَّ اللَّه تَعَالَى يَرْفَعُ أَلَمَ الذَّبْحِ عَنْهَا. وَهَذَا كَالْمُكَابَرَةِ فِي الضَّرُورِيَّاتِ، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِيلَامَ قَبِيحٌ مُطْلَقًا، بَلْ إِنَّمَا يَقْبُحُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَسْبُوقًا بجناية ولا ملحقا بعوض. وهاهنا اللَّه سُبْحَانَهُ يُعَوِّضُ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ فِي الْآخِرَةِ بِأَعْوَاضٍ شَرِيفَةٍ، وَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ هَذَا الذَّبْحُ عَنْ أَنْ يَكُونَ ظُلْمًا، قَالُوا:
وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ مَا تُقُرِّرَ فِي الْعُقُولِ أَنَّهُ يَحْسُنُ تَحَمُّلُ أَلَمِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ لِطَلَبِ الصِّحَّةِ، فَإِذَا حَسُنَ تَحَمُّلُ الْأَلَمِ الْقَلِيلِ لِأَجْلِ الْمَنْفَعَةِ الْعَظِيمَةِ، فَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الذَّبْحِ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إِنَّ الْإِذْنَ فِي ذَبْحِ الْحَيَوَانَاتِ تَصَرُّفٌ مِنَ اللَّه تَعَالَى فِي مُلْكِهِ، وَالْمَالِكُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ إِذَا تَصَرَّفَ فِي مُلْكِ نَفْسِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ طَوِيلَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ مُجْمَلٌ، لِأَنَّ الْإِحْلَالَ إِنَّمَا يضاف إلى الأفعال، وهاهنا أُضِيفَ إِلَى الذَّاتِ فَتَعَذَّرَ إِجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ فِعْلٍ، وَلَيْسَ إِضْمَارُ بَعْضِ الْأَفْعَالِ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إِحْلَالَ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهَا أَوْ عَظْمِهَا أَوْ صُوفِهَا أَوْ لَحْمِهَا، أَوِ الْمُرَادُ إِحْلَالُ الِانْتِفَاعِ بِالْأَكْلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لِلْكُلِّ فَصَارَتِ الْآيَةُ مُجْمَلَةً، إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ [النَّحْلِ: 5] دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بها من كل هذه الوجوه.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَهُ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ أَلْحَقَ بِهِ نَوْعَيْنِ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ إِلَّا مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مُجْمَلٌ، وَاسْتِثْنَاءُ الْكَلَامِ الْمُجْمَلِ مِنَ الْكَلَامِ الْمُفَصَّلِ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مُجْمَلًا أَيْضًا، إِلَّا أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ هُوَ الْمَذْكُورُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة: 3] وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ يَقْتَضِي إِحْلَالَهَا لَهُمْ عَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَبَيَّنَ اللَّه تَعَالَى أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مَيْتَةً، أَوْ مَوْقُوذَةً أَوْ مُتَرَدِّيَةً أَوْ نَطِيحَةً أَوِ افْتَرَسَهَا السَّبُعُ أَوْ ذُبِحَتْ عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللَّه تَعَالَى فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ.
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 278
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست