responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 269
إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ [النساء: 163] قَالَ الْقَوْمُ: نَحْنُ لَا نَشْهَدُ لَكَ بِذَلِكَ، فَنَزَلَ لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: شَهَادَةُ اللَّه إِنَّمَا عُرِفَتْ بِسَبَبِ أَنَّهُ أَنْزَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْقُرْآنَ الْبَالِغَ فِي الْفَصَاحَةِ فِي اللَّفْظِ وَالشَّرَفِ فِي الْمَعْنَى إِلَى حَيْثُ عَجَزَ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ مُعْجِزًا وَإِظْهَارُ الْمُعْجِزَةِ شَهَادَةٌ بِكَوْنِ الْمُدَّعِي صَادِقًا، وَلَمَّا كَانَتْ شَهَادَتُهُ إِنَّمَا عُرِفَتْ بِوَاسِطَةِ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ لَا جَرَمَ قَالَ لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَيْ يَشْهَدُ لَكَ بِالنُّبُوَّةِ بِوَاسِطَةِ هَذَا الْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْكَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ بَيَّنَ صِفَةَ ذَلِكَ الْإِنْزَالِ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى أَنْزَلَهُ بِعِلْمٍ تَامٍّ وَحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ، فَصَارَ قَوْلُهُ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ جَارِيًا مَجْرَى قَوْلِ الْقَائِلِ: كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ وَقَطَعْتُ بِالسِّكِّينِ، وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَصْفُ الْقُرْآنِ بِغَايَةِ الْحُسْنِ وَنِهَايَةِ الْكَمَالِ، وَهَذَا مِثْلُ مَا يُقَالُ فِي الرَّجُلِ الْمَشْهُورِ بِكَمَالِ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ إِذَا صَنَّفَ كِتَابًا وَاسْتَقْصَى فِي تَحْرِيرِهِ: إِنَّهُ إِنَّمَا صَنَّفَ هَذَا بِكَمَالِ عِلْمِهِ وَفَضْلِهِ، يَعْنِي أَنَّهُ اتَّخَذَ جُمْلَةَ عُلُومِهِ آلَةً وَوَسِيلَةً إِلَى تَصْنِيفِ هَذَا الْكِتَابِ فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى وَصْفِ ذَلِكَ التَّصْنِيفِ بِغَايَةِ الْجَوْدَةِ ونهاية الحسن، فكذا هاهنا واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ للَّه تَعَالَى عِلْمًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ عِلْمِ اللَّه تَعَالَى، وَلَوْ كَانَ عِلْمُهُ نَفْسَ ذَاتِهِ لَزِمَ إِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مُحَالٌ.
ثُمَّ قَالَ: وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَإِنَّمَا تُعْرَفُ شَهَادَةُ الْمَلَائِكَةِ لَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ ظُهُورَ الْمُعْجِزِ عَلَى يَدِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى شَهِدَ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ، وَإِذَا شَهِدَ اللَّه لَهُ بِذَلِكَ فَقَدْ شَهِدَتِ الْمَلَائِكَةُ لَا مَحَالَةَ بِذَلِكَ لِمَا ثَبَتَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُمْ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ، وَالْمَقْصُودُ كَأَنَّهُ قِيلَ: يَا مُحَمَّدُ إِنْ كَذَّبَكَ هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ فَلَا تُبَالِ بِهِمْ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى وَهُوَ إِلَهُ العالمين يصدقك في ذلك، وملائكة السموات السَّبْعِ يُصَدِّقُونَكَ فِي ذَلِكَ، وَمَنْ صَدَّقَهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَمَلَائِكَةُ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَالسَّمَوَاتِ السَّبْعِ أَجْمَعُونَ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى تَكْذِيبِ أَخَسِّ النَّاسِ، وَهُمْ هَؤُلَاءِ الْيَهُودُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً وَالْمَعْنَى وَكَفَى اللَّه شَهِيدًا، وَقَدْ سَبَقَ الكلام في مثل هذا.

[سورة النساء (4) : الآيات 167 الى 169]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (168) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (169)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا مِنْ صِفَاتِ الْيَهُودِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ وَبِالْقُرْآنِ وَصَدُّوا غَيْرَهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّه، وَذَلِكَ بِإِلْقَاءِ الشُّبُهَاتِ فِي قُلُوبِهِمْ نَحْوَ قَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَ رَسُولًا لَأَتَى/ بِكِتَابِهِ دُفْعَةً وَاحِدَةً مِنَ السَّمَاءِ كَمَا نَزَلَتِ التَّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى، وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ اللَّه تَعَالَى ذَكَرَ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ شَرِيعَةَ مُوسَى لَا تُبَدَّلُ وَلَا تُنْسَخُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَكُونُونَ إِلَّا مِنْ وَلَدِ هَارُونَ وَدَاوُدَ، وَقَوْلُهُ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً وَذَلِكَ لِأَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ ضَلَالًا مَنْ كَانَ ضَالًّا وَيَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ مُحِقٌّ، ثُمَّ إِنَّهُ يَتَوَسَّلُ بِذَلِكَ الضَّلَالِ إِلَى اكْتِسَابِ الْمَالِ وَالْجَاهِ، ثُمَّ إِنَّهُ يَبْذُلُ كُنْهَ جُهْدِهِ فِي إِلْقَاءِ غَيْرِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الضَّلَالِ، فَهَذَا الْإِنْسَانُ لَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ في الضلال
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 269
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست