responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 267
بِالتَّوْرَاةِ دُفْعَةً وَاحِدَةً، فاللَّه تَعَالَى أَجَابَ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءَ الِاثْنَيْ عَشَرَ كُلُّهُمْ كَانُوا أَنْبِيَاءَ وَرُسُلًا مَعَ أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ مَا أَتَى بِكِتَابٍ مِثْلِ التَّوْرَاةِ دُفْعَةً واحدة، وإذا كان المقصود من تعديد هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هذا المعنى لم يجر ذكر موسى معهم، ثُمَّ خَتَمَ ذِكْرَ الْأَنْبِيَاءِ بِقَوْلِهِ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً يَعْنِي أَنَّكُمُ اعْتَرَفْتُمْ بِأَنَّ الزَّبُورَ مِنْ عِنْدِ اللَّه، ثُمَّ إِنَّهُ مَا نَزَلَ عَلَى دَاوُدَ دُفْعَةً وَاحِدَةً فِي أَلْوَاحٍ مِثْلَ مَا نَزَلَتِ التَّوْرَاةُ دُفْعَةً وَاحِدَةً عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْأَلْوَاحِ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ نُزُولَ الْكِتَابِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نَزَلَتِ التَّوْرَاةُ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِ الْكِتَابِ مِنْ عِنْدِ اللَّه، وَهَذَا إِلْزَامٌ حَسَنٌ قَوِيٌّ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الزَّبُورُ الْكِتَابُ، وَكُلُّ كِتَابٍ زَبُورٌ، وَهُوَ فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، كَالرَّسُولِ وَالرَّكُوبِ وَالْحَلُوبِ، وَأَصْلُهُ مِنْ زَبَرْتُ بِمَعْنَى كَتَبْتُ، وقد ذكرنا ما فيه عند قوله جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ [آلِ عِمْرَانَ: 184] .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَرَأَ حَمْزَةُ زَبُوراً بِضَمِّ الزَّايِ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، حُجَّةُ حَمْزَةَ أَنَّ الزَّبُورَ مَصْدَرٌ فِي الْأَصْلِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْمَفْعُولِ كَقَوْلِهِمْ: ضَرْبُ الْأَمِيرِ، وَنَسْجُ فُلَانٍ فَصَارَ اسْمًا ثُمَّ جُمِعَ عَلَى زُبُرٍ كَشُهُودٍ وَشُهُدٍ، وَالْمَصْدَرُ إِذَا أُقِيمَ مَقَامَ الْمَفْعُولِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ جَمْعُهُ كَمَا يُجْمَعُ الْكِتَابُ عَلَى كُتُبٍ، فَعَلَى هَذَا، الزَّبُورُ الْكِتَابُ، وَالزُّبُرُ بِضَمِّ الزَّايِ الْكُتُبُ، أَمَّا قِرَاءَةُ الْبَاقِينَ فَهِيَ أَوْلَى لِأَنَّهَا أَشْهَرُ، وَالْقِرَاءَةُ بِهَا أَكْثَرُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ انْتَصَبَ قَوْلُهُ رُسُلًا بِمُضْمَرٍ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا ذَكَرَ أَحْوَالَ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْقُرْآنِ، وَالْأَكْثَرُونَ غَيْرُ مَذْكُورِينَ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ.
ثُمَّ قَالَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً وَالْمُرَادُ أَنَّهُ بَعَثَ كُلَّ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَخَصَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالتَّكَلُّمِ مَعَهُ، وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَخْصِيصِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذَا التَّشْرِيفِ الطَّعْنُ فِي نُبُوَّةِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَكَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَخْصِيصِ مُوسَى بِإِنْزَالِ التَّوْرَاةِ عَلَيْهِ دُفْعَةً وَاحِدَةً طَعْنٌ فِيمَنْ أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ الْكِتَابَ لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وعن إبراهيم ويحيى بن وثاب أنهما قرءا وَكَلَّمَ اللَّهُ بِالنَّصْبِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَكَلَّمَ اللَّه مَعْنَاهُ وَجَرَحَ اللَّه مُوسَى بِأَظْفَارِ الْمِحَنِ وَمَخَالِبِ الْفِتَنِ وَهَذَا تَفْسِيرٌ بَاطِلٌ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي انْتِصَابِ قَوْلِهِ رُسُلًا وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الْأَوْجَهُ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى الْمَدْحِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ انْتَصَبَ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ وَرُسُلًا الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: أَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا فَيَكُونُ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ أَيْضًا جَوَابٌ عَنْ شُبْهَةِ الْيَهُودِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ بِعْثَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يُبَشِّرُوا الْخَلْقَ عَلَى اشْتِغَالِهِمْ بِعُبُودِيَّةِ اللَّه، وَأَنْ يُنْذِرُوهُمْ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنِ الْعُبُودِيَّةِ، فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنَ الْبِعْثَةِ، فَإِذَا حَصَلَ هَذَا الْمَقْصُودُ فَقَدْ كَمُلَ الْغَرَضُ وَتَمَّ الْمَطْلُوبُ، وَهَذَا الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ حَاصِلٌ بِإِنْزَالِ الْكِتَابِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى بَيَانِ هَذَا الْمَطْلُوبِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ حَالُ هذا المطلوب
نام کتاب : التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 11  صفحه : 267
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست